تعليم الطفل الاعتماد على الذات وتنمية إحساس الطفل بالمسؤولية، أنماط التربية وعلاقتها باعتماد الطفل على ذاته، وأفضل أساليب تربية طفل يعتمد على نفسه
كيف تكون بيئة أسرية تبني طفلاً يعتمد على ذاته؟
عندما يكونون صغاراً تمضي ساعات في تعليمهم كيفية ربط أحذيتهم، وعندما يبلغوا العاشرة من العمر، تعطيهم إرشادات بشأن كيفية استخدام الغسالة، ثم تستعد عندما يحتاج ابنك المراهق إلى تعلم قيادة السيارة، بطبيعة الحال.. إن تعليم مهارات الحياة للأطفال أمر مهم، وجميعنا سمعنا عن شاب/شابة ينتهي به المطاف في الكلية.. غير قادر على غسل ملابسه، أو يتصل بوالديه للمساعدة في حل مشكلات كان من المفروض أن يعرف حلّها لوحده في هذا العمر! فإذا كنت تريد بالفعل أن تنشئ أطفالاً مستقلين يعتمدون على أنفسهم، ولا يعرفون كيفية القيام بغسل ثيابهم فحسب، بل سيكونون واثقين ومنتجين ومتميزين أيضاً، فسوف يحتاج أطفالك الآن في صغرهم؛ إلى أكثر من مجرد دروس حول المهارات، التي سيحتاجونها في الحياة، ذلك لأن الاكتفاء الذاتي (الاعتماد على النفس) هو أكثر من مجرد مهارات، إنه عقلية.. يحتاج الطفل إلى الثقة، بأنه قادر على التفكير بنفسه والتعامل مع التحديات، كذلك إيجاد الطريق الصحيح للمضي قدماً بمفرده وبدون مساعدة منك.
بالإضافة إلى تعليم المهارات الحياتية؛ لتربية أطفال لديهم عقلية مستقلة مكتفية ذاتياً؟ فيما يلي بعض المكونات الأساسية:
– تأسيس الاتصال: عندما يكون لدى الوالدين علاقة عاطفية قوية وارتباط قوي مع الطفل في وقت مبكر من عمره، فإن النتيجة أن يكون الطفل أكثر استقلالية وأقل اعتماداً على الآخرين في وقت لاحق من حياته، ومع هذا الاتصال العاطفي المبكر يشعر الطفل بالأمان عندما يواجه أول تجربة قاسية وغير يقينية في هذه الحياة، بالتالي يمكنهم من مواجهة التحديات بثقة أكبر، لكن ما الذي يعنيه بالضبط أن يكون لديك اتصال مع أطفالك؟ وكيف يتم تأسيس هذا الاتصال وصيانته على المدى الطويل؟ تقول المتخصصة باستشارات الأبوة والأمومة “يتم بناء علاقات وثيقة مع الطفل.. لحظة بلحظة من خلال تجارب مشتركة، تتيح لنا أن نؤثر بعمق على بعضنا البعض، فلا يبدو أن هناك شيء غير عادي يحدث في الخارج، لكن في الداخل نتواصل لملء أعماق أنفسنا، عبر تجارب مثل: تقبيل الركبتين المخدوشتين لدى الطفل أو الضحك بشكل هستيري على أي شيء تافه، أو مناقشة بعض المسائل الحساسة على طاولة العشاء، أو التفكير في حل مشكلة صعبة خلال نزهة هادئة مساء.. لأن هذا ما يبني العلاقة الحميمة والتواصل الهادئ مع الطفل”.
– امنحهم الحرية: يحتاج الأطفال إلى حرية الاستكشاف والاختبار والإبداع والحيلة، من أجل فهم أنفسهم بشكل أفضل وفهم من حولهم أيضاً، إن هذه المعارف بما في ذلك معرفة أنه يمكن أن يفشل ويتعافى ويتعلم من الفشل، وأن يفعل الأفضل في وقت لاحق؛ تبني الثقة بالنفس لدى الطفل، لذا فإن إن إعطاء الحرية للطفل يعني قول “نعم” أكثر من “لا”، والسماح للطفل بالتحدث عن آرائه (باحترام)، كذلك السماح له باتخاذ أكبر عدد ممكن من القرارات بنفسه، والأهم أن تسمح للطفل باختبار التحمل من حين لآخر!..: “إذا لم يُسمح للأطفال بالمخاطرة الروتينية، فلن يكونوا قادرين على التعامل مع المخاطر الحقيقية عند حدوثها”، عندما نعطي أطفالنا الحرية، نرسل رسالة مفادها، أننا نثق بهم لاتخاذ قرارات جيدة والتعافي من القرارات السيئة أيضاً، وأن يكون الطفل مسئولاً؛ لا يعني ذلك أن ترفع سيطرتك تماماً، لكن كوالدين عليكما أن تكونا والدين، وهناك أسلوب من الأبوة والأمومة يتميز بوضع الحدود مع الطفل، بينما تكون في الوقت نفسه على استعداد لدعم الطفل وتوجيهه في أي لحظة يحتاجك بها.
– تعاون معهم: أفضل طريقة لفهم العلاقة التعاونية بين الوالدين والطفل، هي التفكير في العكس: العلاقة الديكتاتورية! فالآباء والأمهات الذين يتخذون قرارات لأطفالهم، بحيث يوجهونهم بما يفكرون به أو يفعلونه أو يقولونه؛ يقومون بقص أجنحة أبنائهم، ونادراً ما يمنحوا هؤلاء الأطفال الفرصة لاستكشاف اهتماماتهم الخاصة، أو تعلم كيفية التعامل مع التحديات بشكل مستقل، بينما في علاقة تعاونية.. ينتبه الوالدان إلى أفكار الأطفال ورغباتهم، ثم يناقشونها معهم ويساعدونهم في حل المشكلات عند الحاجة، كما يُسمح للأطفال بمتابعة الأنشطة التي تهمهم، تلك التي تبني دوافعهم الذاتية وتتيح لهم فهماً أفضل لأنفسهم، وعندما يُمنح الطفل الفرصة ليكون جزء من عملية صنع القرار، من خلال سماع رأيه وتأثيره على النتائج؛ يساعده ذلك على أن يرى أنه قادر على اتخاذ قرارات جيدة، وأن يعرف كيف يكون جزء من القرار الناضج والمسئول، “الآباء هم المصدر الرئيسي لإحساس الطفل بقيمة الذات”.
– التوقعات العالية: حيث يرتقي الأطفال إلى مستوى التوقعات لدى الكبار المهمين في حياتهم، في أن يبذلوا قصارى جهدهم لكل مسعى، بطريقة تعكس الاحترام الذي منحه الوالدين للطفل، من خلال إظهار المسؤولية (المناسبة للعمر)، وقريباً يندفع الأطفال ليس فقط بتوقعات آبائهم الكبيرة، لكن بتوقعاتهم أيضاً، وهنا لا بد أن نشير إلى نقطة هامة، فتحديد توقعات عالية لأطفالك يعني بأنك تؤمن بقدراتهم، لكن يجب عليك التأكد من أن هذه الرسالة واضحة، وأن محبتك لهم لن تصبح أقل.. عندما لا يفي الطفل بهذه التوقعات، أو عندما تعبر عن الخجل أو الإحباط بسبب هدف لم يحققه الطفل، فترسل له رسالة معاكسة بأنه فاشل! … بالطبع أنه الأمر الصعب لتحقيق التوازن بين إظهار الحب والاحترام غير المشروطين لأطفالك، وفي نفس الوقت السماح لهم بمعرفة أنك تعرف قدراتهم ليكونوا أفضل، هذا يتطلب معرفة الطفل بشكل جيد وبما يكفي، لوضع أهداف واقعية وتجنب المقارنات مع الآخرين، لأن الأطفال مستعدون للارتقاء والازدهار؛ وفق ما تتوقعه أنت منهم.
– بناء الثقة: أساس أي علاقة هو الثقة، وينطبق هذا بشكل خاص في علاقة الوالدين والطفل، فإذا غابت الثقة، لن يكون للوالدين سوى فرصة ضئيلة لتوجيه أطفالهم إلى بالغين ذوي عقلية مستقلة، بالتالي سوف يفتقر الأطفال إلى الأمن والثقة، وبأنهم بحاجة إلى أن يكونوا مستقلين، حيث تعمل الثقة بين الأهل والطفل؛ على ترسيخ الارتباط وتجعل الأطفال أكثر انفتاحاً ويتوقون للاستماع لكل ما يقوله لهم آباؤهم، كما أن الثقة في التواصل الصادق؛ توفر الأمن وتُظهر الرعاية والاحترام، تقول الدكتورة لورا ماركهام: “إذا استطاعوا أن يثقوا بك في الأشياء الصغيرة، سوف يأتون إليك عندما تحدث الأشياء الكبيرة”.
سرّ تنشئة طفل قوي .
الطفل القوي هو الطفل المعتمد على ذاته… لا يكفي أن تؤسس البيئة المنزلية المناسبة لتنشئة طفل مكتفي بذاته، بل يتعلق الأمر بطبيعة الوالدين أيضاً ونمط الأبوة والأمومة الأنسب، لتربية طفل يعتمد على ذاته، وسنتحدث عن هذه أنماط الوالدين وفق الباحثين قبل أن نذكر النمط المناسب:
1- المهمل: في أحسن الأحوال.. يكون هؤلاء الآباء غير مبالين بأطفالهم، وفي أسوأ الأحوال.. متهاونون ومهمِلون، حيث غالباً ما يُترك الأطفال تحت إشراف قليل وتوقعات منخفضة.
2- الاستبدادي: هذا هو أسلوب الأبوة والأمومة، الذي يتميز بالمطالب والتوقعات العالية وانخفاض الاستجابة، فالآباء المستبدون لديهم توقعات كبيرة جداً من أطفالهم، لكنهم عادة ما يقدمون القليل جداً من الملاحظات والدعم العاطفي للطفل، ثم أي خطأ يرتكبه الطفل يستحق العقوبة القاسية، وهناك القليل من الدفء العاطفي والاتصال بين الوالدين والطفل، حيث من المتوقع أن يطيع الأطفال والديهم مهما كان الأمر!
3- الحازم والرسمي: مختلف عن الاستبدادي، فالأهل هنا دافئون ومحبون لأطفالهم، لكن لديهم توقعات كبيرة من أطفالهم أيضاً، ويُنظر إلى الأطفال على أنهم كائنات عقلانية مستقلة ذات أفكار خاصة، لكنهم ما زالوا بحاجة إلى توجيهات الوالدين وفرض الحدود، وهؤلاء الوالدين الرسميين يفرضون القواعد ولكن يفسرونها أيضاً، كما أنهم فاعلون ونشيطون في حياة أطفالهم، لكنهم لا يدعوا أطفالهم يفلتون من العقاب بالسلوك السيئ!
4- المتساهل: يقوم أولياء الأمور المتساهلين بطلبات قليلة جداً من أطفالهم، ويميلون إلى تلبية كل الاحتياجات التي يرغب بها الطفل، إنهم يضعون قواعد وتوقعات قليلة، لذلك نادراً ما يتم عقاب الطفل، وغالباً ما يكون الوالدان محبّين للغاية ويلعبان دور الصديق بدلاً من الشخصية الأبوية.
أنسب أنماط الأبوة والأمومة لتربية طفل مرن ومعتمد على ذاته:
من بين الأنماط المختلفة من الأبوة والأمومة أعلاه؛ يتفق الباحثون عموماً على أن الأسلوب الحازم والمزج بين الاستجابة لاحتياجات الأطفال وتوفير الحدود هو أفضل نمط، والسبب في ذلك.. أنه عندما يكون الأبوين متاحين عاطفياً ومتواصلين بشكل دافئ مع الأطفال، فإنهم يشكلون رابطة، ولأن الآباء الحازمين يستمعون إلى احتياجات أطفالهم ويستجيبون لها عند الضرورة، كما يتم تكوين الثقة بين الوالدين والطفل، لكن الآباء والأمهات الحازمين يعلمون، أنه على الرغم من وجود رابط محب بينهم وبين أطفالهم، فإن أطفالهم ما زالوا بحاجة إلى هيكل دعم.. لتطوير مهارات التنظيم الذاتي والكفاءات، بينما يمكن لطبيعة الطفل ومزاجه كذلك، أن يلعبوا دوراً في فعالية نمط الأبوة والأمومة الحازمة، إلا أن الطفل الذين ينشئ في ظل رعاية حازمة يتميز بما يلي:
• يكون مستقلاً ومسئولاً عن اتخاذ قرارات جيدة من تلقاء نفسه (لأن والديه منحاه الهيكل والحرية للقيام بذلك).
• احترام البالغين والأشخاص الآخرين، كذلك يحترم القواعد، وفي الوقت نفسه لا يخلط بين الطاعة والحب، (كما هو الحال مع الطفل الذي ينشأ لدى أبوين متسلطين).
• يثق من قلبه أن والديه يعرفون مصلحته الفضلى.
• يكون أكثر تعاطفاً، كما يتميز بأنه طفل لطيف ودافئ.
• هذا الطفل أكثر مقاومة، لضغط الأقران.
أخصائي نفسي
الولاء مكي