الطفل الذي بداخلك

الطفل الداخلي مصطلع نفسي لا يعني أنك طفولي الشخصية وإنما يعني هذا الجانب الطفولي الموجود لدينا جميعا أو ذلك الطفل الحزين بداخلنا. شخصياتنا تتكون من جوانب عدة لكل منها دوره وأهميته؛ وعلى فكرة، قد لا تكون قد تعرفت على كل شخصياتك حتى الآن. إن نظرنا الآن لوصفك شخصيتك بشكل عام، وستجد أنك قد تعلمت الصفات التي استخدمتها عن نفسك في صغرك أكثر من كبرك. 

نشأة مصطلح الطفل الداخلي :

أول من استخدم هذا المسمى كان الفيلسوف كارل يونج السويسري في تصوره عن النفس حيث قال أن الطفل الداخلي يحيا في اللاوعي وهو ما يمثل الذكريات المكبوتة. ذات مرة تذكر يونج كم كان يحب في صغره ألعاب التركيب، وتسال لماذا توقف حبه لهذه الهواية؟ ولكنه حين استغراقه في هذه الذكريات، شعر بسعادة ومشاعر جميلة جدا. وهذا ما صنفه يونج على أنه الأثر العلاجي الذي يساعدنا على تفهم أنفسنا بشل أفضل ونلبي احتياجاتها. من مقولات يونج الشهيرة: “إلى أن تستطيع جعل لاوعيك واعيا، سيتحكم في حياتك وهذا ما ستسميه القدر!”

نبذة عن أفكار كارل يونج

ولد كارل يونج في سويسرا في 1875 وهو صاحب نظريات ومفاهيم مختلفة من أهمها في تقسيمه كيان الإنسان إلى:

    1. الأنا: إحدى شخصيات الإنسان التي تمثل مركز الوعي المتحكم في التفكير.

    2. الشبح أو الظل: القسم الغريزي الحيواني الذي لا بد من تنظيمه ولكن بمسايسته.

    1. البرسونا (القناع) Persona: وهي إحدى شخصياتنا في المواقف المختلفة. البرسونا نستمدها من اللاوعي الجمعي ولكننا نضفي عليها فكرنا.

  1. المانا: تمثل شخصيتنا المناسبة لتكويننا النوعي؛ أي الحكمة والعقلانية للرجال؛ والعاطفة والأمومة للنساء.

  2. الأنيما (الجانب الأنثوي) والأنيموس (الجانب الذكوري): وهما داخل كل ذكر وأنثى. تظهر الأنيما بشكل إيجابي في هيئة العاطفة والمحبة وتظهر بشكل سلبي في هيئة الحقد والحسد والمكر. والأنيموس أيضا يظهر إيجابيا في هيئة التعقل والحكمة وتحمل المسؤولية ويظهر سلبيا في هيئة العنف أو العناد.

  3. النفس: هي التي تضم وتوازن كافة ما سبق.

من بعد هذه النظرية، تتابعت الأبحاث في استخدام هذا المصطلح في العلاج النفسي لما يحتويه من مادة دسمة من الأزمات والرغبات للطب النفسي. فاستخدمته نظريات خاصة في سبعينات القرن الماضي وحتى قبل ذلك كنظرية إيرك بيرن الطبيب النفسي الأمريكي “التحليل التبادلي”. يرى بيرن أن الطفل يولد مالكا لنعم كثيرة إلى أن يحولوه أبواه من “أمير إلى ضفدع” فيكبر ومعه مشكلات نفسية منها تحويله إلى كائن أقل ذكاءا وأكثر كبتا. ولكن يبقى الخيار خياره في أن يبقى إيجابيا ويعمل على تحسين نفسه.

الطفل الداخلي يظهر عن طريق تصرفاتنا كأن:

  • تشعر بأنك معيوب وتشعر بالقلق عند الإقدام على الجديد.

  • تبهج الناس وتشعر بمسؤولية تجاهم أكثر من نفسك بينما تفتقر شخصية قوية.

  • قد تحب التمرد والصراع.

  • تميل إلى تملك الأشياء وتواجه صعوبة في التخلي عنها.

  • تشعر بعدم الكفاءة وتشعر بضغط دائم عليك لأن تكون أفضل.

  • تعتبر نفسك مذنبا طول الوقت وتنتقد نفسك.

  • تشعر بالذنب إن دافعت عن نفسك فأنت صارم وتحب الكمال.

  • تجد صعوبة في بدء أو إنهاء الأمور.

  • تخجل من إظهار مشاعرك كالحزن أو الغضب.

  • تدخل في ذعر إن غضبت، وتتجنب الصراعات.

  • ترغمك الناس على الدخول في علاقات بينما لا تريد.

  • تشعر بالخجل من نفسك وحركاتك، وتخاف من الناس وتتجنبهم في الغالب.

  • قد تقع في الإدمان أو حتى مشاهدة المواقع غير اللائقة.

  • لم تشعر بالقرب من أبويك من قبل.

  • تخاف من التخلي.

هنا يأتي دور الآباء في وقاية أولادهم من هذه المشاكل بأن:

  • يثقوا في ذكاء وحدس أبنائهم ويدعوهم يستكشفوا بحرية.

  • يحاولوا تعليمهم الكثير في صغرهم بعيدا عن المدرسة.

  • يحترموهم ويحترموا الغير أمامهم وعدم إظهار مشاكلهم لهم فهم سيفهموها وسؤثر عليهم في نواح عدة.

  • لا يميزوا بينهم وبين إخوتهم!

  • يختاروا لهم ما يشاهدونه من برامج لتكون بناءة ومناسبة.

  • يتصرفوا كقدوة للطفل لأنه وسيقلدهم.

  • يهيئوا مجالات لاختلاطهم بغيرهم ليُنَموا المهارات الاجتماعية.

  • يعودوهم على الأكل الصحي.

ولكن، ما أخطاء الآباء التي تؤدي لهذه المشكلة؟

في الغالب تقع الآباء في أخطاء تربوية نتيجة قلة خبرتهم بما يفيدهم في التربية. وفي هذا الموضوع، قد تتمثل أخطا الآباء في عدم إعطائهم فرص لسماع آراء الطفل؛ ومعاقبته عند إبدائه إياها؛ أو تثبيط روحه للعب أو الاستمتاع بوقته والتصرف بعفوية وإبداء مشاعره بصدق. الإكثار من النقد والإساءات اللفظية أو العقاب الجسدي أيضا من أكبر الأخطاء الشائعة للأسف. الإهمال هو الآخر من أشد هذه الأخطاء لأنه قد لا يؤثر على الطفل نفسيا فقط بل قد يوقعه في مشاكل حقيقية كالإدمان وتطير سلوكيات بغيضة. بعض الآباء أيضا تلقي مسؤولياتهم على الأطفال فلا يعيشون طفولتهم حتى يتفاجئوا بها في هيئة أزمات نفسية في كبرهم. وأخيرا وليس آخرا، عدم إظهار الآباء عاطفتهم بالعناق أو الربتات التشجيعية أو القبلات أو باللفظ سيخلق عنده رغبات غير ملباة ستلاحقه طوال حياته.

كيف نعالج الطفل الداخلي أذا

  • علينا تعلم الاستماع إليه فإن سمعت له صوتا، فهو يحاول لفت انتباهك لأمر ما يحتاج منك الانتباه.
  • استرجع الذكريات المحورية في صغرك وحللها لتفهم. ستجلب لك الذكريات الجميلة سعادة حقيقية.
  • احتوهِ بكل عيوبه لتجد الحلول لمشكلاته.
  • أعد قراءة أو سماع أو مشاهدة ما كنت تحبه في صغرك لتجد الإلهام الإرشاد.
  • عوضه عما فاته.
  • في علم النفس لدى البوذيين، الوعي قسمان:

وعي العقل وهو الوعي النشط؛ والوعي الجذري المشابه للباطني وهو محل حيث تخزين بذور مشاكلنا.

وفقا لبوذا، يقوى وعينا بالتأمل وإعمال الوعي حتى بأبسط الأنشطة اليومية ومع زيادة اليقظة.

  • ساعد الأطفال أو على الأقل تواصل معهم كل فترة وأخرى.
  • أعطه الفرصة للحرية وذلك عن طريق الهوايات أو الأنشطة التي كنت تفضلها وتفتقدها أو عن طريق مناقشة أمر ما مع أحد ما زال يزعجك.

إن كنت تستخف بقوة الطفل الداخلي، فعالمة النفس التنموي أليسون جوبنيك تقول “إن الأطفال أذكى من البالغين وأكثر وعيا” ومن الضروري أن نولي ذلك الجانب بداخلنا اهتماما كبيرا في العلاج النفسي. الطفل الداخلي لدى كل منا جزء لا يتجزأ من تكويننا ولا يمكننا إسكاته أو إخفاءه إلا بتلبية احتياجاته وعلاجه. ولذلك علينا منذ البداية كآباء تفادي ما قد يشكل لأطفالنا مشاكل مستقبلية. وعلينا كبالغين ألا نكبت أنفسنا وأن نستمع لـ بل ونثق في شعورنا وممارسة ما نستمتع به مهما كان غريبا وبدون حرج.

عليك أيضا تذكر أن اتخاذ التجاهل سبيلا في التعامل مع الطفل الحزين بداخلك أو مع الطلبات غير الملباه بداخلنا لن ينجح أبدا بل قد يجعل مشاكلك تتفاقم وسيأتي اليوم وتستمع له حتما. إن كنت بالغا، فاعلم أنه في الأغلب ما من أحد سيعتني بك سواك، فأحسن العناية!

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟