نغضب، فنثور ونزعج من حولنا أو نحطم الأشياء التي تقع أمامنا، وما أن نهدأ حتى نتنفس الصعداء، فإما نعترف بخطئنا نادمين ومستغفرين، أو نبرر غضبنا بأنه كان لإحقاق حق وإبطال باطل، وغالباً ما ننسى بالطبع أن بين الحق والباطل أنانية النفس ومعايير الخير والشر وضوابط الشرع والقانون.
هذا عن الغضب عموماً، لكن ماذا عن الغضب عند المراهقين خصوصاً؛ بماذا يختلف غضبنا عن غضب هؤلاء المراهقين من حيث أشكال السلوك والتعبير عنه والعوامل المؤدية له؟، متى يكون هذا الغضب حالة عادية طبيعية؟ ومتى تصبح عدوانية المراهق حالة تستدعي المعالجة؟ ولعل الأهم من المعالجة هو كيفية الوقاية، أي كيف نقي المراهق من مضار الغضب واتباع سلوكيات عدوانية؟
أسباب العدوانية والغضب عند المراهقين
لدى المراهق أسباب لا تحصى تؤدي إلى الحيول دون تحقيق أهدافه أو رغباته، فيلجأ إلى الغضب تعبيراً عن ضيقه وانزعاجه حيث يكون الغضب هو الوسيلة النفسية الطبيعية التي يستخدمها للدفاع عن رغباته وحاجاته وآرائه، وكونه وسيلة من الوسائل النفسية الدفاعية ضد شيء ما، فلا بد أن هناك أسباب تستثير غضب المراهقين وتنفذ صبرهم ليخرجوا عن طورهم ويثور بركان غضبهم، ومن هذه الأسباب:
الأسباب الاجتماعية التي تغضب المراهقين
– التقليد: في كثير من الأحيان إذا دققنا النظر في شكل وأسلوب ردة الفعل الغاضبة التي يبديها المراهق، نلاحظ تقليداً لأحد الشخصيات التي تعجبه ويرى فيها قدوةً له كأبيه أو أخيه الأكبر أو معلمه أو بطله السينمائي المفضل.
– التدخل في شؤونه: المراهق دائماً يرغب في الحصول على الحرية في تصرفاته ويطالب بالاستقلال في تقرير شؤونه، وهو يشعر بالغضب عند توجيه الأوامر والنصائح والإرشادات إليه، حيث أنه يرى فيها تدخلاً في شؤونه وانتقاصاً من شأنه.
– لفت الانتباه: قد يعمد بعض المراهقين لإظهار طابع الغضب والعدوانية على سلوكهم بهدف لفت انتباه الآخرين لوجودهم وأهميتهم وتأثيرهم.
– الغيرة: وهي تعد من الأسباب الأساسية للغضب ليس عند المراهق فقط بل حتى عند الكبار والأطفال، فالغيرة شعور سيء يضعف الثقة بالنفس وينمي مشاعر الحقد والكره تجاه موضوع الغيرة، وهذا ما يؤدي لمشاعر الغضب تجاه هذا الموضوع.
– معاملته كطفل: أكثر ما يثير غضب المراهق شعوره أن من حوله يعاملونه كطفل صغير فيشعر أنه محاط بالإرشادات والأوامر إلى درجة تقيد سلوكه وتحدد تصرفاته وتقلل من شأنه وكأنه طفل لا يعرف ما يفعل، فيلجأ إلى الغضب كطريقة لإثبات وجوده وفرض رأيه وإجبار الآخرين على احترامه والنظر إليه كبالغ وكبير.
الأسباب النفسية لغضب المراهقين
– الإحباط: عادةً ما يكون وراء غضب المراهقين الشعور بالفشل وعدم تحقيق الأهداف، فقد يشعر أنه عاجز ويرى أن المهمة الموكلة إليه أكبر منه ولا يستطيع تنفيذها، فيستخدم غضبه كوسيلة للهروب من فشله.
– الشعور بالظلم والإحباط: وأن كل من حوله يتآمرون عليه ويسخرون منه، ويحدث هذا عندما يرى أنه ما من أحد يفهم رغباته وأفكاره، ويقفون حائلاً بينه وبين أحلامه وطموحاته.
– الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس: فيحاول تعبئة هذا النقص من خلال السلوكيات العدوانية فهو يرى أنه بغضبه يخيف الآخرين ويجبرهم على احترامه.
– كبت مشاعر الضيق والتوتر: الناتجة عن مواقف الإحباط المتتالية والمتكررة يؤدي إلى انفجارها على شكل نوبات غضب حادة.
– الحرمان: من حرية التفكير والتصرف وتحقيق الرغبات أو الحرمان من الاستقلال في الرأي والقرار، كل هذا يؤدي إلى الشعور بالضيق وبالتالي التصرف بغضب وعدوانية.
أسباب جسدية بيولوجية
– النمو المتسارع والتغيرات الجسدية التي تميز مرحلة المراهقة: وهذا ما يضفي طابعاً خاص على المرحلة وآثاراً عدة، مما يجعل المراهق حاد الطباع ويتصف سلوكه بالغضب السريع والعدوانية.
– الاضطرابات الناتجة عن التغير الحاصل في الافرازات الهرمونية، بما ينعكس على الطبيعة النفسية لردات فعل المراهقين تجاه ما يواجههم من ظروف.
– النضوج الجنسي: في مرحلة المراهقة يصل المراهق إلى فترة النضوج الجنسي التام تقريباً، وهذا يفرز حاجات جديدة ينتج عنها شعور دائم بالتوتر وبالتالي ضيق عام يؤدي لبعض السلوكيات العدوانية.
العلاج والوقاية من غضب المراهقين
في الحديث عن غضب المراهقين يكمن السؤال الأهم،
كيف يجب التعامل مع هذا الأمر؟، إذا كان استخدام أسلوب الكبت والقمع ينعكس ضعفاً في ثقة المراهق بنفسه ومحواً لشخصيته، وإذا كان أسلوب المسايرة والتسامح يخلق شخصية انتهازية تستخدم الغضب كأسلوب لفرض الرأي بالقوة؛
لابد من وجود بعض الخطوات العلاجية والوقائية التي يصلح استخدامها مع مشاعر الغضب وما ينتج عنها من سلوك عدواني لدى المراهقين، ومن هذه الخطوات:
– يجب على الأهل أن يعرفوا في البداية أن غضب المراهقين هو شعور وسلوك طبيعي بل وضروري ولا يحتاج لقلق مادام ضمن حدوده الطبيعية.
– لا تجوز مسايرة المراهق عند غضبه إلى حد الامتثال والنزول عند رغباته في كل مرة يستخدم فيها هذا الأسلوب، حتى لا يتصرف بانتهازية ويعيد تكرار هذا الأسلوب كل ما وقف حائل أمام رغباته.
– كما لا يجوز أيضاً استخدام أسلوب القمع والكبت بشكل دائم مع مشاعره الغاضبة، فهذا يؤدي إلى شعوره بالضعف وفقدان ثقته بنفسه وقدرته على التأثير بمحيطه.
– في بعض الأحيان قد يكون الفراغ في الوقت والزيادة في الطاقات والشحنات الانفعالية سبباً وراء سلوكيات المراهق الغاضبة، وهنا وجب تعبئة الوقت وتفريغ الطاقات ببعض الأمور المفيدة والمحببة لدى المراهق.
– لا ضير في أن يتحمل المراهق جزء من المسؤولية عن نفسه وعن تصرفاته، ويترك له بعض الحرية في خياراته وقرارته وشؤونه كي لا يشعر أنه محاصر دائماً بالأوامر والنواهي والنصائح والإرشادات.
– تعليم المراهق منذ الطفولة مهارات التفكير وحل المشكلات والعقبات، بطريقة سليمة ومضمونة وبعيدة عن الأساليب العدوانية.
– يجب العمل بالمشاركة على إدارة مشاعر الغضب عند المراهق من خلال تغير الأسلوب في المعاملة فنعرف مثلاً ما الذي يغضبه عادة من طلباتنا ونغير أسلوبها ومن جهة أخرى يجب أن نعوده على أن يكون صبوراً وأن يحاول قدر المستطاع السيطرة على سلوكه عند شعوره بمشاعر الغضب.
أخصائي نفسي
الولاء مكي