معتقدات المراهق الغريبة

مرحلة المراهقة ولا يخفى على أحد أنها مرحلة حرجة في جميع أبعادها لما تحمله من متغيرات على جميع الأصعدة النفسية والجسدية والاجتماعية من جهة، وكون عملية النمو خلالها تتصف بالسرعة في نتائجها وبالشمولية في مستوياتها من جهة أخرى.
ومع هذه الحالة التي تتصف بعدم الاستقرار والتي تعتبر المرحلة الأهم من حيث بناء منظومة الفرد الأخلاقية والفكرية والقيمية، تبدو أهمية التركيز والانتباه على الأفكار التي يتعرض لها المراهق ومدى ارتباطها من حيث الاقتراب أو الابتعاد عن الثقافة السائدة في مجتمعه وكيف ينظر المجتمع لهذه الأفكار من حيث القبول أو الرفض، وبالتالي تبدو أهمية دراسة هذه الأفكار والتعرف عليها وفهم أسبابها ومصادرها وتقدير نتائجها والطريقة الأمثل للتعامل معها .

ما هي الأفكار التي قد تصاحب مرحلة المراهقة؟

يتميز المراهقون بكثرة شرودهم وتأملهم، وفي شرودهم هذا معبرٌ يعصب اختراقه ويكمن وراءه عالمٌ من الأفكار والأحلام والأمنيات، وقد تصل هذه الأفكار إلى حدودٍ تصبح معها غريبةً عن المجتمع والواقع وفي بعض الأحيان عن المنطق، وهذا العالم الذي يتميز به المراهقين يشمل نوعين من الأفكار؛ منها ما يعتبر خاص بكل فردٍ على حدة ومنها ما يعتبر عام يمثل ثقافة خاصة بهذه المرحلة العمرية يشترك في خصائصها  معظم من يجوز أن نطلق عليهم صفة المراهق، ومن أكثر هذه الأفكار الغريبة شيوعاً بين المراهقين يمكننا أن نذكر ما يلي:

المبالغة في تقدير الذات والقدرات والإمكانات
وبالتالي الاعتقاد أنه يستحق أكثر مما هو عليه وأنه مظلوم في مجتمعه ولا أحد يفهمه أو يقدره، وعادة ما تأتي هذه المبالغة من اعتقاده أنه يفكر بأشياء لا يعرفها أحد ويستطيع تحويل هذه الأشياء إلى أمورٍ عظيمة لو أتيحت له الفرصة.

يحلم المراهق كثيراً ويتمنى العديد من الأشياء 
وقد يصل في أحلامه إلى حدود بعيدة عن المنطق والمألوف، كأن يتصور أنه توصل لاكتشاف أو اختراع سوف يغير مسار البشرية، أو أنه سوف يصل إلى مكانة معينة في إحدى مجالات الحياة، وقد يؤدي به هذا إما إلى الابداع والعبقرية في أفكاره فعلاً إذا تحققت له ظروفاً وشروطاً تدعم أحلامه واستطاع أن يجد رابطاً بين أحلامه وبين الواقع، وإما إلى متهوراً لا يدرك عواقب أفعاله وأفكاره إذا لم يستطيع أن يقدر إمكانية تنفيذ أفكاره على المستوى التطبيقي.

 سلوك وتفكير المراهق يتصف بالحماس الزائد والاندفاع
وبسبب قيام المجتمع من خلال معاييره وقيمه بكبت بعض هذه الأفكار والسلوكيات غير المناسبة، فإن هذا سوف ينعكس بطبيعة الحال رفضاً من هذا المراهق لمجتمعه بجميع مضامينه وقيمه ومعاييره، وسوف يفكر في التخلص منها والثورة عليها، وربما إنتاج فلسفة خاصة به ومغايرة لثقافة مجتمعه، وخاصة ما يتعلق بطبيعة العلاقات التي يمكنه بنائها ونسبة الحرية في التصرف التي يرغب في الحصول عليها.

المثاليات
تعتبر هذه القيمة التي نرغب جميعاً في تحقيقها من أهم الأشياء التي تحكم قناعات المراهقين، فهؤلاء المراهقين وكنتيجة للمنظومة الأخلاقية التي تلقوها وهم أطفال يميلون لرؤية كل الأشياء بطريقة مكتملة ومثالية، وعندما يصطدم المراهق بالمجتمع الحقيقي وما قد يحتوي عليه من أحداث ومشاهد وأمور تتعارض مع ما تعلمه وتربى عليه من مثاليات، فإن هذا سوف يجعله يقف موقف الحائر بين ما كان يتوقه وبين ما وجده في الواقع، ولهذا فنجد المراهق يميل في كثير من الأحيان إلى إدراك المواقف بطريقة مثالية بعيدة عن الواقع قد يظهر فيها بمظهر الساذج أو العنيد، وقد يصل فيه الأمر للاعتقاد بأنه يستطيع تغير هذا المجتمع برمته وإعادته إلى المثالية المتوقعة منه.

التعصب في قناعاته
كما يتميز المراهق أنه شديد التعصب تجاه أفكاره ومعتقداته، فهو يرى أن أي فكرة يؤمن بها هي الأفضل والأجدى ويجب على الجميع أن يؤيده في ذلك ويرى أن كل من يعارض أفكاره متخلف أو لا يستطيع فهمه وقد يصل الأمر إلى أن يراه عدواً له.

 

ماهي مصادر أفكار المراهقين؟

 يأتي  المراهق بأفكاره من مصادر عدة منها على سبيل المثال:

وسائل التواصل الحديثة وتأثيرها على أفكار المراهقين
فمن جهة قد تعرض وسائل الإعلام أنواعاً من المعارف تعتبر غريبة عن المنظومة الثقافية والفكرية السائدة في مجتمع المراهق، وهذا المراهق بدوره قد يعجبه بعض ما يعرض عليه من هذه الأفكار وبالتالي يتبناها في سلوكه ويقتدي بها في قناعاته.
ومن ناحية أخرى فإن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة قد تعتبر أكثر تأثيراً في هذا الإطار، فهي تتيح للمراهق التحكم أكثر في ما يعرض عليه ومناقشته وربما المشاركة في إنتاجه، وهذا يجعل المراهق أكثر اقتناعاً بما تلقاه عبر هذه الوسائل فهو يرى نفسه شريكاً في اختيار وإنتاج الفكرة التي اندمج معها وربما جعلها جزأً من شخصيته.

الأعمال الأدبية والفنية وتأثيرها  على أفكار المراهقين
مثل السينما والقصص والروايات والملاحم الأسطورية، فكل هذه الأعمال تعتبر من المصادر الهامة التي قد يستقي منها المراهق أفكاره الخاصة والتي بدورها أيضا قد تكون غريبة بالنسبة للمجتمع الذي يعيش ضمنه المراهق من جهة، أو غريبة عن المنطق وقوانين الطبيعة من جهة أخرى، فهذه الأعمال عادة ما تعرض البطولات الخارقة والأفكار الثورية الرنانة، والمشاهد التي تتحدى المنطق الطبيعي، وهي بعرضها لكل ما سبق تعتبر من أهم المصادر التي ينهل منها المراهق أفكاره الغريبة، وقناعاته المبالغ فيها.

أحلام المراهقين وخيالهم وما لها من تأثير على أفكارهم
تمتاز أحلام المراهقين وأمانيهم وخيالاتهم بأنها غير محدودة، فالمراهق في خياله يفكر في كل شيء، يبني عالماً لا يعرف فيه الحدود، يتجاوز حواجز الزمان والمكان، يتحدى فيه المنطق والبديهي، ولا يعرف فيه معنى المستحيل، وهذا العالم في أحلام المراهق يأخذه إلى أماكن وأفكار بعيدة يتحكم هو بحدودها وما يمكن أن يجعله ممكناً أو غير ممكن فيها، وقد تكون الأفكار الغريبة في الأحلام والخيالات نتيجة لمعتقدات ومخاوف ورغبات وأمنيات المراهق من جهة، وسبباً رئيسياً لاتباعه نمطاً سلوكياً غريباً من جهة أخرى.

أخصائي نفسي 

الولاء مكي 

 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟