كذب الأطفال

يمر الكذب بمراحل تطورية من الطفولة إلى المراهقة
يبدأ الأطفال عادة بالكذب في سن ما قبل المدرسة، ما بين عمر سنتين وأربع سنوات؛ قد تقلق من أن هذه المحاولات المتعمدة للخداع قد تؤدي بأن يصبح طفلك كاذب.. لكن من وجهة نظر تربوية نادرا ما يسبب كذب الأطفال الصغار القلق.. في الواقع غالباً ما يكون الكذب هو أحد العلامات الأولى لقدرة الطفل الصغير على إعمال عقله والتفكير (نظرية العقل)، التي تبحث تطور الكفاءة الاجتماعية للطفل في سن مبكرة، بمعنى وعيه بأن لدى الآخرين رغبات ومشاعر ومعتقدات مختلفة عما لديه، لذلك عندما يدعي طفل بشكل مضلل ويقول مثلاً: “والدي قال يمكنني الحصول على آيس كريم”؛ فهو يستخدم هذا الوعي بما يفكر به الآخرين، كي يحقق مكاسب خاصة، ويمكن أن نلخص أهم ملامح الكذب في مرحلتي الطفولة والمراهقة أيضاً وفق التالي:

– كذب الطفل في سن ما قبل المدرسة: الأكاذيب الأولى للأطفال الصغار غالباً ما تكون أكثر مرحاً من كونها فعالة، تخيل الطفل الذي يدعي أنه لم يأكل أي كعكة بينما لا يزال فمه ممتلئاً أو الذي يلوم كلب الجيران للرسم على الجدار، قد يعرف الأطفال الصغار أنهم قادرون على خداع الآخرين، لكن ليس لديهم حتى الآن التطور اللازم للقيام بذلك وبشكل جيد، قبل سن الثامنة يعمد الأطفال في كثير من الأحيان إلى استبعاد أنفسهم عند الكذب، كما يواجه الأطفال أيضا مشكلة في الحفاظ على الكذب، حيث أن الكذابين الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وخمس سنوات يحافظون بشكل مدهش على ملامح وجه عادية بعد أن يكذبوا، كما يحقق الكذابون الذين تتراوح أعمارهم بين ستة وسبعة أعوام نجاحاً متبايناً، حيث قد يتظاهرون بالجهل وينكرون ما يعرفون، وعندما يكبر الأطفال وتتطور قدرتهم على أخذ وجهة نظر ما، يصبح بإمكانهم بشكل متزايد فهم أنواع الأكاذيب التي يمكن أن يصدقها الآخرون، كما أنهم يصبحون أفضل في الحفاظ على الكذب مع مرور الوقت، بطبيعة الحال يبدأ تطورهم الأخلاقي أيضاً، وحيث يكون الأطفال الأصغر سناً أكثر عرضة للكذب من أجل تحقيق مكاسب شخصية؛ يتوقع الأطفال الأكبر سناً شعورهم بالسوء من أنفسهم إذا كانوا يكذبون.

– يميز الطفل الأكبر والمراهق سلبيات وإيجابيات ممارسة الكذب: يميل الأطفال الأكبر سنا والمراهقين إلى التمييز بين الأنواع المختلفة من الأكاذيب؛ (الأكاذيب البيضاء) والتي تعتبر بالنسبة لهم أكثر ملائمة من الأكاذيب الضارة أو المعادية للآخرين، حيث يكذبون وبضمير مرتاح فيما يخص مصالحهم الخاصة،

– الكذب عند الأطفال أمر طبيعي من الناحية التطورية: الكذب أمر طبيعي من الناحية التنموية وعلامة هامة على تطوير المهارات المعرفية الأخرى، وإذا كان الكذب مستمراً ويضعف قدرة الطفل على العمل بفاعلية في الحياة اليومية، فيستحق استشارة خبير الصحة العقلية أو طبيبك، لكن في حالات أخرى يكون الكذب هو طريقة واحدة لتعلم الأطفال كيفية التعامل الاجتماعي، لذا يجب أن تساعد المناقشات المفتوحة والدافئة حول قول الحقيقة في النهاية على الحد من أكاذيب الأطفال أثناء تطورها.

– هل يدعو الكذب عند الأطفال للقلق؟ من المهم أن تتذكر أن العديد من البالغين يكذبون أيضاً، كما هو الحال في الأكاذيب البيضاء التي تحمي مشاعر أحد الأشخاص وأحياناً فيما يخص المرض مثلاً، في بعض الحالات يمكن أن يصبح الكذب المزمن مصدراً للقلق، إذا حدث جنبا إلى جنب مع مجموعة من السلوكيات الأخرى مثل: اضطرابات السلوك، أو رفض الامتثال للسلطة، كذلك الانتهاكات المستمرة للقواعد، وعدم تحمل المسؤولية عن الأفعال، سبب آخر لقلق الوالدين هو إذا كان الكذب يعمل على إخفاء مشاكل الصحة النفسية الأخرى مثل الخوف أو الخجل، على سبيل المثال قد يعاني الطفل أو المراهق من القلق الشديد كما يتجنب مواجهة المواقف التي تجعله خائفاً (مثل المدرسة والحفلات والجراثيم) بشكل مزمن، في هذه الحالات تساعد استشارة الطبيب أو طبيب نفسي، في توضيح ما إذا كان الكذب يدل على وجود مشكلة تتعلق بالصحة العقلية أو النفسية.

تعزيز قول الحقيقة

كيف تساهم في تعزيز قول الحقيقة لدى الطفل؟
في حين أن الكذب أمر طبيعي من الناحية التطورية، يمكن للآباء والمدرسين دعم قول الحقيقة لدى الأطفال بثلاث طرق:
أولا: تجنب العقوبات المفرطة أو الإفراط في التسلط: في دراسة تقارن بين مدرسة في غرب إفريقيا تستخدم العقوبات (مثل الضرب بالعصا والصفع والقرص) ومدرسة أخرى تستخدم توبيخاً غير عقابي (مثل منح المهلة أو التوبيخ)؛ كان الطلاب الذين يخضعون لعقوبات أكثر عرضة ليكونوا كذابين فعالين، كما أثبتت العديد من الدراسات أن الأطفال من العائلات التي تشدد بقسوة على اتباع القواعد وليس الحوار المفتوح، يكذبون بشكل أكثر تكرار.

ثانياً: مناقشة السيناريوهات العاطفية والأخلاقية مع الأطفال: ويدعم هذا “التدريب العاطفي” فهم الأطفال للكذب الأكثر ضرراً، وكيف يؤثر على الآخرين، بالإضافة إلى كيفية شعورهم هم أنفسهم عندما يكذبون، حيث يتوقع الأطفال الفخر بهم لقولهم الحقيقة، ويمكن للوالدين التأكيد على هذه الجوانب الإيجابية في قول الحقيقة.

ثالثاً: تأكد أن الطفل يكذب حقاً: لأن الأطفال الصغار جداً عرضة لمزج الحياة الحقيقية والخيال، في حين أن الأطفال الأكبر سناً والبالغين يتذكرون، فإذا أبلغ الطفل عن إساءة جسدية أو جنسية مثلاً، يجب دائماً التحقيق في هذه المزاعم، من خلال تمييز ما إذا كانت هناك محاولة متعمدة للخداع أم لا، حيث يمكن للآباء والمعلمين التحكم بردود فعلهم.

أخصائي نفسي 

الولاء مكي 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟