هوية المراهقين

في هذه المرحلة ينشغل المراهق حول ذاته مما يصيب  ثقته بنفسه بشئ من الارتباك..

تبدأ هوية الشخص في النمو منذ الطفولة وتستمر في النمو والبناء عبر سنين حياته، لكن تعتبر فترة المراهقة من أكثر الفترات الحرجة والتي تؤثر وتتأثر بالهوية..

خلال مرحلة الطفولة المبكرة تكون القيم والمثل عند الأطفال هو ما اكتسبوه من الوالدين، لذا فإن تقييمهم لذواتهم من منظور القيم يتأثر بشكل أساسي بقيم الوالدين ونظرتهم للآخرين..

وعندما يكبر هؤلاء الصغار قليلاً وعند دخولهم المدرسة يظهر مؤثر آخر فيطفو على السطح عدد آخر من القيم والنظم الجديدة.. تلك التي يكتسبوها يوميًا من زملاء الفصل والمدرسين مما يؤثر بالسلب أو الإيجاب في بناء هوية الطفل الذاتية.

ومع الوصول لمرحلة المراهقة يسعى المراهق ليلائم بين ما تعلم من قيم ومثل وبين ما يتعرض له من انتقادات ليكون صورة ملائمة من وجهة نظره.. لو كانت المبادئ والقيم والمثل التي يتلقاها المراهق في بيته تتوافق مع ما يتلقاه في مدرسته من مدرسيه وزملائه فإن بناء شخصية غير متناقضة يكون أسهل بكثير..

مرحلة المراهقة :

تعَدُّ مرحلة اضطراب متعدد الجوانب في حياة الفرد، وقد طال أمدها في الآونة الأخيرة نظرًا لصغر سن البلوغ، وطالت مدتها لطول الأعمار الناتج عن الاستقلال المادي، بغض النظر عن التطور الفكري المستمر.

مرحلة تحديات، واندفاع نحو نضج، مشروط بتحرر من ارتباط الطفولة وأمانها.

تتميز مرحلة المراهقة بكثير من القلق والوعي، والاهتمام بالمظهر والشعور بالخصوصية، وذلك لوجود تغييرات هرمونية وبيولوجية في جسم المراهق.

يحاول المراهق في تلك المرحلة اكتساب حرية واستقلالية، واعتماد على النفس، واختلاف عن الآباء، مما يمكّنه من تكوين هويته وتطويرها.

تنقسم مرحلة المراهقة إلى ثلاث مراحل، هي:

-المراهقة المبكرة (من 10 إلى 14 سنة)

-المراهقةُ المتوسطة (من 15 إلى 17 سنة)

-المراهقة المتأخرة (من 18 إلى 24 سنة)

الهوية

الهوية بناء داخل كل شخص هو وحده مَنْ له حق تشييده، وهي شجرة متفرعة الغصون. لذا، عليك تكوين هوية فكرية، وتحديد آرائك ومعتقداتك دينيًا وسياسيًا وأخلاقيًا. كما تُبنَى الهوية اجتماعيًا وعاطفيًا وجنسيًا ومهنيًا.

وهناك جوانب أخرى للهوية ولكنها خارجة عن إرادتك وتأثيرك، فهي ليست بيدك، مثل: الأصول، والطول،
والجانب الشكلي، وأي طبقة اجتماعية واقتصادية تنتمي إليها، وتاريخك؛ فتلك جذور هويتك.

إذا كان التشييد قويًا متينًا، كانت هويتك وابتعادك عن التشابه مع غيرك، وإن وُجِد في بعض الجوانب. أما إذا ضَعُف البناء، كان الشخص مشوشًا مشتتًا في اكتشاف ذاته وتقديره لها.

تشييد هويتك يعتمد على خوضك تجارب لتصل إلى هوية ثابتة معبرة عنك، قد تتراجع عن فعل أمر جربته أو تطوِّره اعتمادًا على ما توجِّهك إليه تجاربك ونتائجها، ورضاك عما تصل إليه.

إن تكوين الهوية يبدأ ويبلغ ذروته وحدته في غضون مرحلة المراهقة؛ فتنشأ غصونه وتتفرع.

ولا تتوقف عملية تكوين الهوية بعد سنوات المراهقة؛ فهي عملية تستمر مدى الحياة، ولطالما وجد الفرد أدوارًا جديدة وتحديات وتجارب مختلفة، مثل دور الوالدين وغيره من الأدوار الحياتية.

لاحظ علماء النفس أن اكتمال اكتشاف الهوية وتكوينها يحدث في المراهقة المتأخرة، أو ما يُعرَف بـ”سنوات الشباب الأولى”.

 أزمة الهوية في مرحلة المراهقة :

قسَّم أحد أشهر علماء النفس دورة حياة الإنسان إلى ثمانية مراحل، تحتوي كل مرحلة على صراع مرهق وأزمة مصيرية، ويؤدي حل تلك الصراعات إلى تنمية الشخصية وتكوينها.

وكان الصراع المرتبط بمرحلة المراهقة -وهو “تكوين الهوية مقابل ارتباك الدور”- صراعًا بين اكتشاف الهوية والالتزام بها.

ومن الجانب الآخر، الاستمرارية في دور واحد وشخصية واحدة معتادة في طفولته، وعدم قدرته على الالتزام بذلك المسار أحادي الاتجاه. من هنا، كانت نشأة أزمة الهوية.

في الأسئلة الوجودية -مثل: من أنا؟ كيف سأُكون مستقبلًا؟ ما هدفي؟ وما قيمتي؟- تكون الإجابة معقدة وغير مباشرة. لذا كانت أزمة، إذن فهي أزمة الهوية.

لا يقتصر وجود هذه الأزمة في مرحلة المراهقة؛ فقد يعانيها الشباب أو آخرون في مراحل متقدمة من العمر لأسباب كثيرة.

قد يستطيع المراهق تجاوز فترة تكوين الهوية بلا أزمة إن كانت طفولته تأسيسًا صحيحًا لمرحلة البناء، وتفهَّم الوالدان صعوبة تلك المرحلة، وسارعا في تقديم العون والإرشاد.

ما هي أسباب أزمة الهوية عند المراهقين؟

يمكننا ذكر بعض الأسباب التي تؤدي إلى شعور المراهق بتلك الأزمة، مثل:

  • العائلة

يُعَدُّ دور الأسرة في طفولة المراهق نقطة ارتكاز وثقة في تكوين هويته وتطورها، والالتزام بها دون شتات.

لذا، على الآباء تعريف الطفل بهويته الدينية والاجتماعية والجنسية في مراحل الطفولة المختلفة، والتوعية بالأنماط الأخرى في مجتمعه، دون ترك الأمر لأمواج الواقع بلا إرشاد؛ فيساعده ذلك على اجتياز أزمة الهوية عند المراهقين.

عدم احتواء الأسرة للمراهق وعدم تقبُّل الوالدين لاختلافه قد يتسبب في هدم الهوية، إضافة إلى الخلافات العائلية والمشكلات بين الوالدين.

  • التنمر والرفض

قد يتعرض المراهق لرفضه -شكلًا وموضوعًا- من المحيطين في المدرسة، أو الأهل، أو حتى النادي، مما يضطره إلى تغيير مسلكه لينال رضا بعض الأشخاص، فتبدأ هويته في التداعي والانهيار.

  • التغيرات الفسيولوجية والهرمونية

تؤثر في بعض الأحيان في تكوين هوية المراهق؛ فقد تصل به إلى حد الأزمة والتشتت في وقت لاحق.

قد تؤدي أزمة الهوية عند المراهقين وتشتُّتهم إلى انحراف سلوكي، مثل: التدخين، وتعاطي المخدرات، وعادات وسلوكيات أخرى خاطئة…

إن وجود الوالدين وتفهُّمهم للوضع طوق نجاة للمراهق، ولكن في بعض الأحيان تتفاقم أزمة الهوية في المراهقة،
والحاجة إلى الإرشاد النفسي تصبح ضرورة لنجدة المراهق والمحيطين والمجتمع بأكمله.

 الهوية عند الشباب

قد يتأخر المراهق في تكوين هويته، فيتردد ويتشتت، ويستشعر الأزمة فيزداد الأمر سوءًا. يؤدي ذلك إلى وصوله إلى سنوات الشباب الأولى ولا يزال عالقًا متشتتًا، فلم يستطع اكتشاف ذاته أو الالتزام باختياراته وأهدافه.

يعاني الشباب أصحاب أزمة الهوية ويشعرون بالفشل، وقد ينجرفون إلى سلوكات معادية للمجتمع؛ فتجد الواحد منهم
لا يملك اتخاذ القرار، وتتسم اختياراته بالتبعية في كثير من جوانب الحياة، وسلوكه ذو الهوية السلبية نابع من فطرته وما شب عليه دون اختيار منه، تلك أكثر مراحل الأزمة إيلامًا.

يمكننا -مما سبق ذكره- إدراك أن أزمة الهوية في المراهقة والحاجة إلى الإرشاد النفسي للمراهق وجهان لعملة
واحدة، عملة صاغها الطب النفسي لنصل بالمراهق إلى منطقة آمنة، يتجنب فيها اضطرابات وانحرافات نفسية عدة، فنحمي الفرد والمجتمع قبل فوات الآوان.

… في دارك جوهرة عليك الحفاظ على هويتها وبريقها؛ فقد حان دورك لتقدم  للمجتمع كيانًا راقيًا منفردًا!

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟