سيطرة الأباء علي قرارات الابناء

حن هنا نتعامل مع مراهق لم يصل بعد لمستوى كافي من النضوج الاجتماعي أو النفسي أو الفكري، ومن جهة أخرى هذا المراهق فعلاً له الحق في اختيار قراراته وتحمل عواقبها كما من الجائز في بعض الأحيان أن نكون نحن المخطئون وهو المحق من وجهة نظره.

مجالات تسلط الآباء على قرارات أبنائهم

يمكن شرح مفهوم التسلط الحاصل من قبل بعض الآباء على خيارات وقرارات أبنائهم أنه نوع من التدخل وفرض الرأي حتى في الشؤون الشخصية لهؤلاء الأبناء ومصادرة قراراتهم وحقهم في اختيار ما يشاءون باستخدام السلطة الأبوية، وذلك لعدة ذرائع مثل عدم وعيهم وأهليتهم لاختيار ما يشاءون، ويحدث هذا مع الأبناء سواء في مرحة الطفولة أو المراهقة أو حتى النضوج في بعض الأحيان.
والحياة غنية ومتنوعة في مجلاتها ومواقفها والأشياء التي تفرض خيارات متعددة يجب على الفرد اتخاذ قرارات بشأنها، سواء كان هذا الفرد طفل أو كبير، ذكر أو أنثى، أب أو ابن، وكل هذه المجلات قد يحدث فيها نوع من التسلط من قبل الآباء على قرارات أبنائهم، فمثلاً:

المواهب والميول والاهتمامات: بدوافع عديدة قد لا تلقى جميع الهويات أو المواهب التي يتمتع بها الأبناء ترحيب من قبل آبائهم، فمثلاً بذريعة أن هذه الأشياء تلهيهم عن دروسهم أو لأسباب اجتماعية وثقافية أخرى التي ترفض بعض أنواع الفنون أو المجالات العلمية باعتبارها لا تناسب الثقافة الاجتماعية السائدة، وفي هذه الحالات  جميعاً يحرم الابن من اهتمام والديه بمواهبه وربما تمحى هذه الموهبة وتضمحل مع كبتها وعدم تنميتها.

الخيارات التعليمية والأكاديمية: أما هذا الجانب فيمكن القول أنه الأكثر تأثراً واهتماماً في ممارسة الأهل سلطتهم على خيارات أبنائهم، وأيضاً لاعتبارات اقتصادية أو اجتماعية ترغب بعض الأسر في توجيه أبنائها لمجالات تعليمية معينة تضمن لهم مستقبل أفضل من وجهة نظر هؤلاء الأهل، غير آخذين بالاعتبار رغبة وميل أبنائهم وقدرتهم على النجاح في هذه المجلات.

الملابس والشكل: وهنا تأخذ الاختلافات في الثقافة العصرية دورها وتفرض نوع من التناقض بين رأي الأبناء والآباء حول الطريقة التي يختارون ملابسهم أو يعتنون بمظهرهم بها، فالابن يريد أن يحاكي الموضة السائدة بين أبناء عصره والآباء يريدون أن يحافظ ابنهم في مظهره على معايير الأناقة التي يعرفونها، راجع مقالنا عن اختيار الثياب المناسبة للأطفال.

حرية الحركة والتصرف: سواء في الخروج للتنزه والرحلات والزيارات أو ممارسة رياضة معينة أو الانتساب لمعاهد أو مراكز تناسب رغبات وميول الأبناء، فكل هذه الأشياء لا تلقى دائماً الترحيب والقبول من قبل الآباء لأسباب عديدة كالانشغال عن الدروس أو الابتعاد عن المنزل.

العلاقات الاجتماعية بكافة أنواعها: حتى العلاقات التي يحاول الأبناء بنائها وتشكيلها مع الآخرين يحاول بعض الأهل تحديدها والتحكم بها مثل اختيار الأصدقاء بالنسبة للطفل والمراهق حتى يبعدوهم عن ما يعرف بصديق السوء، أو اختيار شريك الحياة بالنسبة للناضج وخاصة الإناث وفي هذه الحالة حتى المجتمع قد يفرض رأيه بمعاييره عن الشخص المقبوض للارتباط، وفي الحقيقة تعتبر هذه المسألة بالغة الحساسية فعدم الاختيار الصحيح من القبل الأبناء للأشخاص الذين سوف يتعاملون معهم أو يرتبطون بهم قد يكون له نتائج مأساوية في بعض الأحيان على مستقبلهم.

خيارات لسيطرة  الأباء علي الابناء  :

يبدو التسلط والانفراد بالقرارات الهامة كوسيلة تربوية هو السبيل الأسهل والأسلوب الأضمن، الذي يمكن من خلال أتباعه حماية الأبناء من وهم أفكارهم عن الواقع وقلة خبراتهم في الحياة، وما يفضي إليه هذا وذلك من مخاطر ومساوئ قد يوقعون أنفسهم فيها، ولكن هذه ليست الطريقة الوحيدة ويمكن استبدالها بطرق أخرى قد تضمن تفاعل أفضل من قبل الأبناء مع إرشادات والديهم وبالتالي تحقيق أفضل للغاية المرجوة منها:

فمن الجيد مثلاً النظر في رغبات الأبناء وخياراتهم: فربما يكونوا على صواب، ففي بعض الأحيان قد يكون الخلاف الحاصل ناتج عن خطأ في تقدير الآباء وليس الأبناء وفي هذه الحالة يجب إعادة النظر بموضوع الخلاف الحاصل، حتى لا يجبر الابن على الخطأ من جهة ولا يفقد تقديره لوالديه وينظر لهما على أنهما مخطئين وغير قادرين على الاعتراف بخطئهم والتمييز بين ما هو صحيح وخاطئ.

استخدام أسلوب الثواب: فبعض الأشياء أو الصفات و الاستجابات وخاصة في مرحلة الطفولة يمكن تنميتها في شخصية الطفل من خلال ربط قيامه بها بأثر جيد مباشر كالثواب أو المكافئة، فمن شأن هذه الطريقة أن ترسخ في ذهن الطفل أن هذه الاستجابات تعتبر جيدة وقيامه بها سوف يعود عليه بنتائج مرضية.

ترك حرية التجربة للابن: ليس من الخطأ أن يجرب الأبناء بعض خياراتهم وإن كانت خاطئة في بعض الأحيان ولكن مع شرط ألا تكون ذات نتائج خطيرة وأن تبقى تحت رقابة وعناية الوالدين، فعند ما يدرك أنه مخطأ من خلال تجربته لأي من قراراته سوف يخرج هذه الفكرة الخاطئة من رأسه دون أن يضطر الوالدين إجباره على ذلك، وهذا يضمن عدم تكراره لها وفهم لماذا كان والديه يحاولان ثنيه عنها.

النقاش والإقناع: وهي وسيلة جيدة بدلاً من التسلط التربوي فحتى لو كان الأبناء مخطئون يمكن خلال النقاش أو طرح الأمثلة والأسئلة إقناعهم بخطأ خياراتهم دون اللجوء لوسائل الكبت والتسلط والإجبار، وهذه الطريقة سوف يكون لها نتائج أفضل على المدى البعيد.

احتضان الأبناء: من خلال فهم رغباتهم والاهتمام بها، بالإضافة لبناء علاقة عاطفية جيدة معهم تقوم على الصداقة والمشاركة في شؤون المنزل والأسرة، والتأسيس منذ مرحلة الطفولة على قيم تحمل المسؤولية، وبناء الاتجاهات ووجهات النظر المناسبة للأسرة في شخصية الطفل وتعليمه كيفية اتخاذ القرارات الجيدة بدلاً من اتخاذها عنه.

الحقيقة أن موضوع شكل العلاقة بين الآباء وأبنائهم فيما يخص القرارات والخيارات سواء البسيطة أو الهامة في حياتهم، هو موضوع شديد الحساسية والخطورة فالأبناء لديهم الحق في الاشتراك في صنع قراراتهمواختيار ما يناسبهم ويرغبون به ويلاءم خصائصهم  الشخصية وثقافتهم العصرية، ومن جهة أخرى لا يمكن للآباء المجازفة بتركهم يتصرفون على هواهم دون رقابة أو توجيه فالكثير من الأمثلة تصور ما قد يؤدي إليه طيش الأبناء وخاصة المراهقين من مآسي ومخاطر على حياتهم ومستقبلهم، وبدلاً من هذا وذلك لا بد من البحث عن الوسائل التي تتيح المشاركة في هذه القرارات بما يضمن راحة الآباء وقبول الأبناء.

أخصائي نفسي 

الولاء مكي 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟