تأثير الأصدقاء علي سلوكهم

خلال رحلة تكوين الشخصية وبناء منظومة الدوافع المحركة للسلوك والمبادئ والمفاهيم التي تتحكم بالخيارات والقرارات؛ تلعب علاقة الصداقة دوراً رئيسياً يوازي أو يفوق دور الأسرة والتربية المنزلية، خاصَّة وأن التأثير الأقوى للأصدقاء يأتي في أكثر مراحل تكوين شخصية الفرد أهمية وحساسية وهي مرحلة المراهقة.

كيف تؤثر الصداقة على السلوك

كان القصد من تقسيم تأثير الصداقة حسب المراحل العمرية أن نحدد الفئة العمرية الأكثر تأثراً بالأصدقاء، وهي فئة المراهقين والشباب، وفيما يلي نتحدث عن تأثير الأصدقاء على السلوك عموماً وفي هذه المراحل بشكل خاص:

اكتساب وهجر السلوك
يعتبر اكتساب السلوك مبحثاً منفصلاً خضع للكثير من الدراسة والبحث، وجزء من هذا البحث هو دور علاقات الصداقة في اكتساب سلوك ما وهجر سلوك آخر.
ويبدو أن الأطفال الكبار مولعون بتجربة السلوكيات الجديدة والمغايرة لما يألفونه، واجتماع أصحاب هذا الشغف بالتجربة يجعلهم يتبادلون السلوكيات المختلفة ويجربون معاً بدافع الفضول أو الغيرة أو الاندماج.
بعض هذه السلوكيات التي نكتسبها من الأصدقاء قد تتحول إلى سمات راسخة تمتد إلى بقية حياتنا، وبعضها قد تكون مجرد تجارب نبتعد عنها فيما بعد على حساب سلوكيات أفضل أو أسوأ.
لكن لماذا نكتسب ونختار سلوكاً معيناً من أصدقائنا؟ ولماذا يتأثر سلوكنا وتتأثر عادتنا بعادات وسلوك الأصدقاء؟ لماذا نكتسب سلوكاً ونهجر آخر عندما نكتسب صديقاً ونهجر آخر؟!.

التقليد والمحاكاة
التقليد من أهم عوامل اكتساب السلوك عند الأفراد في المراحل العمرية المختلفة، الطفل مثلاً يكتسب معظم سلوكياته من خلال تقليد ذويه، والمراهق يكتسب بعض سلوكه من خلال تقليد المشاهير أو أحد المحيطين به، كذلك نحاول التماهي مع أصدقائنا من خلال تقليد سلوكهم.
هذا لا يعني بالضرورة أننا معجبون بهذا السلوك أو مقتنعون به؛ فقد يكون مغايراً تماماً لما تربينا عليه، لكن دوافع أخرى تجعلنا نقلد هذا السلوك ونحاكيه، دوافع تتصل برغبة الاندماج ومشاعر التنافس وضغط الأقران.

الغيرة والمنافسة
مشاعر الغيرة والمنافسة واحدة من أهم محركات السلوك، خذ مثلاً سلوك معاكسة البنات في الشارع الذي يكتسبه المراهق المؤدب من أصدقائه غير المؤدبين، جزء كبير من هذا السلوك ينبع من الرغبة بالمنافسة والظهور والشعور بالغيرة من جرأة الصديق.
لاحقاً قد يخضع هذا السلوك للتحليل ويتم هجره، لكن ليس قبل أن يتمكن الفرد من تنظيم معاييره الشخصية وتكوين نظرته المتكاملة لذاته وللآخرين.
وقد تلعب الغيرة والمنافسة بين الأصدقاء دوراً إيجابياً في اختيار السلوك الجيد، كما في الدخول بمنافسات دراسية أو منافسات النشاط البدني وغيرها من السلوكيات الحميدة.

ضغط الأقران
إلى جانب الميل الفطري للتقليد والمحاكاة، وتأثير الغيرة والمنافسة بين الأصدقاء، يمثل ضغط الأقران عاملاً جوهرياً في اكتساب وهجر السلوك، لنطرح مثالين على ذلك.
عندما ينضم المراهق الذي تربى في بيئة جيدة إلى مجموعة المراهقين تبدأ مرحلة الضغط باتجاه اكتساب سلوك جديد مثل التدخين أو المعاكسة، قوام هذا الضغط هو الدعوة للتجريب والإلحاح بالدعوة، والشعور بالنبذ إن لم ينضم إلى المجموعة ويمارس ما يمارسونه.
من جهة أخرى؛ فإن الطفل الذي تربى على الالتزام بالعبادة قد يتعرض للضغط من مجموعة الأصدقاء من خلال السخرية أو التعامل معه كشخص معقد ونبذه، ما يجعله يهجر سلوكه لإرضاء الأصدقاء.

الاندماج مع الأصدقاء
الاندماج الاجتماعي هدف أساسي للإنسان، ولا نبالغ إن قلنا أننا جميعاً وفي مراحل مختلفة نقوم بأشياء لا نرغب بها أو نمتنع عن أفعال نؤمن بها فقط لأننا نخشى من النبذ الاجتماعي، وعندما يشكِّل الأصدقاء مجموعة الضغط فهم يلوحون بالنبذ الاجتماعي الذي يعتبر هاجساً مرعباً يدفعنا إلى ترك أو اكتساب السلوك.
قد يشارك الطالب المجتهد مثلاً بسلوك الشغب في الصف لأنه لا يريد أن يظهر بصورة الطالب الساذج ويتعرض للتنمر، وقد يشارك أيضاً بسلوك التدخين في الحمامات لأنه يرغب أن يكون مقبولاً في مجتمع الأصدقاء، وعلى الضفة الأخرى عندما يجد الطالب الكسول نفسه منبوذاً قد يغير من عاداته الدراسية في سبيل الاندماج.

إثبات الذات

ليس بعيداً عن ضغط الأقران ومفهوم النبذ الاجتماعي يلعب إثبات الذات دوراً مهماً في اكتساب وهجر السلوك، فعبارات من قبيل أنت جبان أو أنت معقد قد تدفعنا إلى الانقلاب على منظومة السلوك بشكل كامل لإثبات ذاتنا، كما يحاول الأصدقاء إثبات أنفسهم أمام بعضهم من خلال مباراة السلوك الممنوع، وقد تمتد هذه المباريات عند البعض إلى مراحل عمرية متقدمة، فترى طالباً جامعياً يحاول إثبات ذاته أمام الآخرين من خلال السخرية من المدرسين والأساتذة أو الاعتداد بالفشل.

أخصائي نفسي 

الولاء مكي  

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟