أكتئاب الخريف

مع حلول فصل الخريف، واقتراب فصل الشتاء، يشعر البعض بنوع من الاضطرابات العاطفية، والقلق، والتقلبات المزاجية. الأيام أقصر، والليالي أطول، والطقس يزداد برودة، البعض يشعر بالضيق لوداع أوقات الصيف الرائعة، والشمس الساطعة، وذكريات البحر والشاطئ، والبعض الأخر يقلقه استعداده للعودة إلى الدراسة أو ضغوط العمل الأكاديمي.

الاستيقاظ باكراً، وربما الحصول على قسط أقل من النوم، المزيد من الأعباء والمسئوليات، كل هذه التغيرات من شأنها خلق حالة من القلق والاضطراب العاطفي تسمى اكتئاب الخريف ، وهو نوع من الاكتئاب يأتي ويختفي بنمط موسمي، اضطراب مزاجي يحدث كل عام في نفس الوقت، حيث يبدأ عادةً مع انتهاء فصل الصيف وظهور معالم الخريف.

يعد اكتئاب الخريف شكلاً من أشكال الاضطراب العاطفي الموسمي  الذي ينجم عن تغير المواسم. بشكل عام، يبدأ الاضطراب العاطفي الموسمي في الخريف أو الشتاء وينتهي في الربيع أو أوائل الصيف، ولكن هناك نوع نادر من الاكتئاب الموسمي، يعرف باسم الكساد الصيفي، ويبدأ في أواخر الربيع أو أوائل الصيف وينتهي في الخريف.

يؤثر الاضطراب العاطفي الموسمي بكل أشكاله على الحياة اليومية، بما في ذلك المشاعر، والتفكير، والقدرة على ممارسة الأنشطة اليومية.

أسباب اكتئاب الخريف
ترتبط بعض المؤثرات بحدوث اكتئاب الخريف، ولعل أهمها هو انخفاض ضوء الشمس نسبياً بفصل الخريف، قد يؤدي نقص ضوء الشمس إلى حدوث هذه الحالة لدى الأشخاص المعرضين للإصابة بها. تقترح النظريات الأسباب التالية للإصابة باكتئاب الخريف:

تغير الساعة البيولوجية: يستخدم جسم الإنسان ضوء الشمس لتوقيت العديد من الوظائف الهامة، لذا عند انخفاض مستويات الضوء خلال فصل الخريف، يتغير إيقاع الساعة البيولوجية. تنظم هذه الساعة الداخلية المزاج، والنوم، والهرمونات، لذا فإن تعطيلها قد يسبب ظهور أعراض اكتئاب الخريف.
اضطراب التوازن الكيميائي للدماغ: تعرف المواد الكيميائية في الدماغ باسم الناقلات العصبية، ووظيفتها إرسال الاتصالات بين الأعصاب. تشمل هذه المواد الكيميائية مادة السيروتونين التي تساهم في الشعور بالسعادة، وترتبط بمسارات الدماغ التي تنظم الحالة المزاجية. يساعد ضوء الشمس في تنظيم مادة السيروتونين، لذا فإن انخفاض أشعة الشمس في فصل الخريف، يمكنه التأثير على مستويات السيروتونين، مما يؤدي إلى تغيرات في المزاج، وخاصةً للأشخاص الذين لديهم بالفعل نشاط أقل من السيروتونين.
نقص فيتامين د: يتأثر السيروتونين أيضاً بنقص فيتامين د، نظراً لأن ضوء الشمس يساعد على إنتاج فيتامين د، وبالتالي فإن نقص فيتامين د الذي ينتج عن انخفاض ضوء الشمس في فصل الخريف، يمكن أن يؤثر على السيروتونين والحالة المزاجية.
زيادة الميلاتونين: الميلاتونين هو مادة كيميائية تؤثر على أنماط النوم، وتسبب النعاس. قد تؤدي قلة التعرض لضوء الشمس إلى زيادة إنتاج هرمون الميلاتونين لدى بعض الأشخاص بشكل أكثر من المعتاد، مما يسبب الشعور بالخمول والنعاس.
التفكير السلبي: غالباً ما يعاني الأشخاص المصابون باضطراب القلق الموسمي، مثل اكتئاب الخريف من توتر، وقلق، وأفكار سلبية عن وقت الخريف وقرب فصل الشتاء. الباحثون غير متأكدين مما إذا كانت هذه الأفكار السلبية هي سبب أو نتيجة للاضطراب العاطفي الموسمي .

الحالات الأكثر عرضة للاصابة باكتئاب الخريف
يعد اكتئاب الخريف أكثر شيوعاً بين الرجال والنساء في سن الرشد، كما يؤثر على النساء أكثر من الرجال، وقد يكون الخطر أكبر في مثل الحالات التالية:

حالة اضطراب مزاجية أخرى، مثل اضطراب الاكتئاب الشديد أو الاضطراب ثنائي القطب.
تاريخ عائلي أو معاناة بعض الأقارب بحالات صحية عقلية أخرى، مثل الاكتئاب أو الفصام.
العيش في خطوط العرض العالية، مثل أقصى شمال خط الاستواء أو أقصى الجنوب، إذ كلما بعدت المسافة عن خط الاستواء، انخفض ضوء الشمس كثيراً، وطالت فترة الليل.
العيش في مناطق غائمة لا تغمرها أشعة الشمس القوية.
بعض الحالات العقلية التي تعرض الشخص للإصابة باكتئاب الخريف بنسبة أكبر، مثل:

اضطراب القلق.
اضطراب الهلع.
اضطراب الأكل.
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
اقرأ أيضاً: تأثير المناخ على الصحة العقلية

اعراض اكتئاب الخريف
تظهر على الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب الخريف علامات مثل ما يلي:

قلق.
حزن.
الشعور بالتعب الشديد وانخفاض الطاقة.
عدم القدرة على التركيز.
الرغبة الشديدة في تناول الكربوهيدرات وزيادة الوزن.
مشاعر اليأس أو انعدام القيمة.
مزيد من الرغبة بالوحدة والانعزال.
الشعور بثقل بالأطراف.
فقدان الاهتمام بالأنشطة المعتادة، بما في ذلك الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية.
كثرة النوم وصعوبة في الاستيقاظ.
خواطر الموت أو الانتحار.

علاج اكتئاب الخريف
أياً كانت أسباب الإصابة باكتئاب الخريف، فإن اتباع الطرق التالية على الأغلب سوف يساعد إلى حد كبير في تخطيه، وغيره من حالات الاضطراب العاطفي الموسمي:

العلاج بالضوء: يركز هذا العلاج على التعرض إلى قدر أكبر من ضوء الشمس، لتعويض النقص في فيتامين د، ومادة السيروتونين -وهو السبب الرئيسي لحالة اكتئاب الخريف- لذا ينصح بالنوم باكراً والاستيقاظ باكراً، للاستمتاع بأشعة الشمس في الصباح.
على غرار هذا الأمر يمكن العلاج بالضوء الساطع، باستخدام مصباح خاص، يتكون من أنابيب ضوء فلورسنت بيضاء، مغطاة بشاشة بلاستيكية لحجب الأشعة فوق البنفسجية، هذا الضوء أكثر سطوعاً بحوالي 20 مرة من إضاءة الغرفة العادية، لذا ينبغي عدم النظر إلى الضوء مباشرة، والجلوس على بعد 2 أو 3 أقدام من المصباح.
تستمر هذه الجلسة لمدة 15 إلى 20 دقيقة، ويمكن خلال هذا الوقت الانشغال بالقراءة، أو تناول الطعام، أو أي نشاط أخر. يحتاج العلاج بالضوء من يومين إلى 4 أيام، بمعدل جلسة واحدة يومياً، وقد يستغرق الأمر أسبوعين للوصول للنتائج المرجوة.
العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج بالكلام: يستهدف هذا النوع من العلاج العلاقات الإنسانية المحيطة، وتقديم المساعدة من المهنيين المختصين، والاستعانة بتجارب الأقارب والأصدقاء. يحقق العلاج السلوكي المعرفي تأثيرات إيجابية للغاية طويلة الأمد.
ممارسة الرياضة: دائماً الرياضة هي الحل الأمثل في جميع حالات الاضطرابات الصحية العقلية، يساعد الطقس المعتدل بفصل الخريف على التنزه خارجاً، والسير لمسافات طويلة، أو ركوب الدراجة، يمكن أيضاً البدء بممارسة رياضة جديدة، أو الانضمام إلى صالة الألعاب الرياضية.
الأدوية المضادة للاكتئاب: قد ينصح الطبيب ببعض الأدوية المعالجة للاكتئاب، حسب الحالة، يمكن أن يكون العلاج بالأدوية جنباً إلى جنب العلاج بالضوء.
فيتامين د: قد يساعد مكمل فيتامين د في تحسين الأعراض لحالة اكتئاب الخريف بشكل ملحوظ.
القيام بأنشطة جديدة: يمكن لإضافة نشاط جديد أو تغيير في الروتين اليومي، التخفيف كثيراً من حدة أعراض اكتئاب الخريف، مثل إعادة تنظيم المنزل والحديقة، أو التفكير بممارسة هواية جديدة، أو حتى تجربة إضافة أطباق جديدة ومميزة إلى النظام الغذائي.

 

أخصائي نفسي

الولاء مكي

 

 

 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟