أضطراب الشخصية الحدية

كلنا يمكن أن يتغير مزاجنا من فترة لأخرى، بحسب الأحداث التي نمر بها والظروف التي نواجهها، ولكن في بعض الحالات نصادف أشخاصًا لديهم تقلبات مزاجية شديدة وسلوكيات مندفعة وردود فعل متطرفة، وهؤلاء غالبًا يعانون من اضطراب في الشخصية يسمى “الشخصية الحدية”، وهو أحد اضطرابات الشخصية الأكثر شيوعًا بين الناس .

ما المقصود باضطراب الشخصية الحدية؟

اضطراب الشخصية الحدّية أو الشخصية الاندفاعية المزاجية، أو الشخصية غير المستقرة عاطفيًا، يعرف بخلل في توازن العواطف والانفعالات، فيتميز المصاب بالاندفاعية وتقلب المزاج وعدم الاستقرار في السلوك والعلاقات الاجتماعية وفي الشخصية وصورة الذات، ويشير مصطلح “الحدية” إلى حقيقة أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة يميلون إلى “الحدود” في حياتهم، سواء في علاقتهم بالآخرين أو في التفكير والعمليات العقلية التي تجرى بداخلهم.

يكون هذا الاضطراب موجودًا في مراحل المراهقة، ويمكن أن يظهر بشكل عرضي حسب الموقف، ويتميز بتقلبات مزاجية عنيفة تستمر عدة ساعات أو عدة أيام، تتمثل بسعادة غامرة أو ضيق وقلق، كما تحدث نوبات شديدة من الغضب والتهيج وفقدان الأعصاب وما ينتج عنه من تصرفات غير لائقة، الأمر الذي يكون من الصعب فهمه بالنسبة للآخرين، إذ إن الشخصية الحدية من أكثر الشخصيات الحساسة التي تتأثر سريعًا، ومشاعر المصاب تتطور سريعًا، فهو يغضب بسرعة، ويعبر عن هذا الغضب، لكنه لا يؤذي أحدًا، ما عدا نفسه.

ويعطي المصاب رأيه بالأشخاص المحيطين بحالة إقصائية، إما بجعلهم مثاليين أو أنهم غير متحلين بالقيم، وذلك بشكل متفاوت بين التقدير العالي الإيجابي أو خيبة الأمل السلبية، وهو ما يسمى بأسلوب التفكير أبيض- أسود.

ويشيع السلوك الاندفاعي عند مرضى اضطراب الشخصية الحدية، بما في ذلك تعاطي مواد الإدمان أو شرب الكحول أو اضطرابات الأكل أو التهور في القيادة أو تبذير النقود أو الاستقالة من وظيفة جيدة أو إنهاء علاقات ناجحة.

كذلك فإن الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية قد يسعى إلى التقارب، لكن استجاباته العاطفية المكثفة وغير المستقرة تميل إلى عزل الآخرين، ما يسبب مشاعر العزلة والهجر على المدى الطويل، وهذا يؤدي إلى الضجر والفراغ والملل الدائم.

ويعاني المصاب باضطراب الشخصية الحدية من مشاكل في تكوين صورة واضحة عن شخصيته وهويته، فهو يميل إلى مواجهة مشاكل مع نفسه لمعرفة ما الشيء الذي يقيمه أو الذي يؤمن به أو يفضله أو يستمتع به، كما يكون غير واثق من أهدافه بعيدة الأمد، وذلك فيما يتعلق بالعلاقات والعمل، وكل ذلك يؤدي إلى شعور الشخص بالضياع.

ونتيجة للمشاعر السلبية المتراكمة فإن المصاب بالشخصية الحدية قد يقدم على إيذاء نفسه ومحاولة الانتحار بجرح نفسه أو محاولة حرق جسده .

 

 تشخيص أضطراب الشخصية الحدية :

عادة ما يتم تشخيص اضطراب الشخصية الحدية لدى البالغين والمراهقين ، وذلك لأن علامات وأعراض اضطراب الشخصية الحدية التي تظهر على الشخص قد تختفي بينما يكبر الأطفال ويصبحون أكثر نضجًا، ويعتمد التشخيص على فحص نفسي من قبل اختصاصي مؤهل، وعلى وجود أعراض الشخصية الحدية المتمثلة بـ:

تغير مزاجي مفاجئ يمكن أن يستمر لعدة أيام أو لبضع ساعات فقط.

العلاقات غير المستقرة التي يمكن أن تتغير بشكل كبير من الحب الشديد والمثالية إلى الكراهية الشديدة.

تكون صورة ذاتية غير مستقرة أو مختلة أو شعور ذاتي مشوه.

الخوف المستمر من الهجر والرفض.

مشاعر قوية من القلق والاكتئاب.

سلوكيات متهورة محفوفة بالمخاطر ومدمرة، بما في ذلك القيادة المتهورة وإساءة استخدام المخدرات أو الكحول وممارسة الجنس غير الآمن.

العنف والعدوانية تجاه الآخرين.

تزايد مشاعر العزلة والضجر والفراغ.

تهديدات أو أفعال متكرّرة بإيذاء النفس.

 أسباب اضطراب الشخصية الحدية:

 أسباب اضطراب الشخصية الحدية غير مفهومة تمامًا، ولكن تشير الدلائل إلى وجود اشتراك بين اضطراب الشخصية الحدية واضطراب الكرب التالي للصدمة، فوجود صدمة نفسية في تاريخ طفولة المصاب يمكن أن يكون عاملًا مسهمًا بحدوث الإصابة، كما يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى متداخلة:

الوراثة: تشير بعض الدراسات إلى أن اضطرابات الشخصية قد تكون موروثة أو مرتبطة بقوة باضطرابات الصحة العقلية الأخرى بين أفراد الأسرة.

الاضطرابات الدماغية: أظهرت الدراسات وجود انحسارات في مناطق بالدماغ مسؤولة عن الضبط والتحكم بردود الفعل تجاه الكرب والعواطف، والتي تكون في منطقة الحصين والقشرة الدماغية الجبهية الحجاجية واللوزة الدماغية بالإضافة إلى مناطق أخرى، كذلك قد لا تعمل بعض العوامل العصبية الحيوية في المخ، التي تساعد على تنظيم الحالة المزاجية، مثل السيروتونين، بشكل صحيح.

البيئة المحيطة: يسهم اضطراب العلاقات الأسرية بحدوث الشخصية الحدية، فالبيئة العائلية غير المستقرة تهيئ لتطور هذا الاضطراب، في حين أن البيئة العائلية المستقرة تكون فيها مخاطر حدوث ذلك الأمر أقل، فوجود تاريخ سيئ في أثناء الطفولة من حيث الانتهاك والإهمال، أو فقد أحد الوالدين، أو الإبعاد عنه، أو معاناة أحد الوالدين من مشاكل عقلية أو إدمان المخدرات، كل ذلك يسهم بتطور الشخصية الحدية، كذلك فإن هناك ارتباطًا وثيقًا بين حدوث تجارب سيئة في مرحلة الطفولة، وخاصة التحرش الجنسي، مع تطور أعراض اضطراب الشخصية الحدية.

العلاج :

يُعالج اضطراب الشخصية الحدية في الأساس بالعلاج النفسي، ولكن قد تستخدم الأدوية بالإضافة إلى ذلك. وقد يوصي طبيبك بالحجز في المستشفى إذا تعرضت سلامتك للخطر.

يمكن أن يساعدك العلاج على تعلم مهارات للتحكم في حالتك والتغلب عليها. ومن الضروري أيضًا علاج أيٍّ من اضطرابات الصحة العقلية الأخرى التي تصاحب غالبًا اضطراب الشخصية الحدية مثل الاكتئاب وإدمان المواد المخدرة. وباستخدام العلاج، قد تشعر بتحسن حالتك وتعيش حياة أكثر استقرارًا وسعادة.

العلاج النفسي :

المعالجة النفسية وتُسمَّى أيضًا العلاج بالتحدث طريقة علاج أساسية لاضطراب الشخصية الحدية. قد يتبنى المعالج نوع العلاج الأفضل لتلبية احتياجاتك. أهداف المعالجة النفسية هي مساعدتك فيما يلي:

  • التركيز على قدرتك الحالية على أداء الوظائف

  • تعلم السيطرة على المشاعر المزعجة

  • تقليل الاندفاع من خلال الحفاظ على المشاعر أكثر من إحداث ردة فعل بشأنها

  • العمل على تحسين العلاقات من خلال إدراك مشاعرك ومشاعر الآخرين

  • المعرفة بشأن اضطراب الشخصية الحدية

أنواع المعالجات النفسية التي اكتُشِفت فعاليتها تشتمل على ما يلي:

  • علاج السلوك الجدلي  (DBT). يتضمن علاج السلوك الديالكتيكي العلاج الفردي وضمن مجموعة المصمم خصيصًا لمعالجة اضطراب الشخصية الحدية. يستخدم علاج السلوك الديالكتيكي نهجًا لتعليمك كيفية السيطرة على مشاعرك وتحمل الشدة وتحسين العلاقات.

  • العلاج المرتكز إلى المخطط. يمكن إجراء العلاج المرتكز إلى المخطط فرديًّا أو ضمن مجموعة. ويمكنه أن يساعدك في تحديد الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها والتي أدت إلى أنماط معيشة سلبية، التي قد تكون مفيدة أحيانًا للبقاء، لكنها فيما يخص البالغين تُعَدُّ أمرًا مؤذيًا في العديد من نواحي الحياة. يركز العلاج على مساعدتك في تلبية احتياجاتك بطريقة صحية لتعزيز أنماط الحياة الإيجابية.

  • العلاج المستند إلى التعقل (MBT). العلاج المستند إلى التعقل هو نوع من أنواع العلاج بالتحدث يساعدك على تحديد أفكارك ومشاعرك الخاصة في أي لحظة من اللحظات ويخلق منظورًا بديلًا بشأن الموقف. يؤكد العلاج المستند إلى التعقل على التفكير قبل إحداث ردة فعل.

  • التدريب التنظيمي لتوقع المشاعر وحل المشكلات (STEPPS). التدريب التنظيمي لتوقع المشاعر وحل المشكلات علاج مدته 20 أسبوعًا يتطلب العمل في مجموعات تدمج أفراد عائلتك أو مقدمي الرعاية أو أصدقائك أو أشخاص بارزين في علاجك. يُستخدَم التدريب التنظيمي لتوقع المشاعر وحل المشكلات بالإضافة إلى أنواع أخرى من المعالجة النفسية.

  • العلاج النفسي التحويلي (TFP). يهدف العلاج النفسي التحويلي، الذي يُعرَف أيضًا بالعلاج الديناميكي النفسي إلى مساعدتك على فهم مشاعرك والصعوبات التي تواجهها في التعامل مع الأشخاص من خلال إنشاء علاقة بينك وبين المعالج. ومن ثم تطبِّق هذه الأفكار على المواقف المستمرة.

  • الإدارة النفسية الجيدة. يعتمد منهج العلاج هذا على إدارة الحالة، ويثبت العلاج في المشاركة في العمل أو المدرسة. فهو يركز على إنشاء حس من اللحظات الصعبة عاطفيًّا من خلال اعتبار السياق الشخصي لهذه المشاعر. قد يُدمج فيه العلاج بالأدوية، والمجموعات، وتثقيف الأسرة، والعلاج الفردي.

الأدوية :

على الرغم من عدم اعتماد إدارة الغذاء والدواء لأي عقاقير خاصة لعلاج اضطراب الشخصية الحدية، فإن هناك بعض الأدوية التي قد تُساعد في علاج الأعراض أو المشاكل المتزامنة مثل الاكتئاب أو الاندفاع، أو العدوانية، أو الاضطراب. قد تَشتمل الأدوية على مضادات للاكتئاب، أو مضادات للذهان، أو عقاقير تَعمل على استقرار الحالة المزاجية .

 

أخصائي نفسي 

الولاء مكي 

 

 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟