فن تجاوز مشاعر الفقد والحزن

الفقد هو صفة عامة مشتركة بين كل البشر في هذه الحياة، فلا يوجد على هذه البسيطة من لم يمر بحالة فقد …

ربما تتجمع الافكار المختلفة حول الشخص الذي تخاف من أن تفقده ، فيبدأ قلبك في الضجيج، و ربما يترافق ذلك مع بعض التوتر و الاضطراب “غير المبرر”. 

و كما يمكن تعريفه، فالخوف يعتبر أحد المشاعر العالمية السبعة التي يمكن أن يختبرها المرء.

و عادة ما يختبر المرء الكثير و الكثير من المخاوف ، فالخوف من المجهول ، و الخوف من الموت ، و الخوف من الأذى ، و الخوف من الفقد ، و الخوف المرض، جميعها يمكن أن تنطبق على الشخص نفسه أو على من يحب.

 الخوف ينشأ من خطر الأذى الجسدي، أو النفسي، أو العاطفي، المُتخيل أو الحقيقي.

و في حين أنه يتم تصنيف الخوف على أنه أحد المشاعر “السلبية” إلا أن له -في الواقع- دوراً مهماً و حيوياً في الحفاظ على سلامتنا النفسية و الجسدية، لأنه يحركنا للتعامل مع المخاطر المحتملة.

و بالفعل كما يؤكد علماء النفس فإن الدفاع ضد التهديدات التي قد تلحق بالإنسان، يعتبر من أحد أهم مهام العقل.

 

 مشاعر الحزن غير مقبول في ثقافتنا، وكذلك لا يشعر الناس بالراحة عندما يشاهدون الحزن ، فإن مشاعر الغضب تطغى على مشاعر الحزن، فعندما نشعر بالغصب تجاه شخص ما ونحاول التحقق من مشاعرنا، فسنجد أنها في الأصل إما مشاعر حزن أو خوف.

يمكنك أن تتأكد من مشاعرك الحقيقية مع سؤال نفسك ما الذي جعلك تغضب من هذا الموقف، فمعرفة أن مشاعر الحقيقية وأن هنا مشاعر حزن خلف هذا الموقف، ستساعدك على اتخاذ رد الفعل السليم تجاهه .

لماذا مشاعر الحزن مفيدة؟

بمجرد أن تدرك أن هناك مشاعر حزن خلف هذا الموقف ، اسمح لنفسك بأن تكون حزينًا ولا تتظاهر بالسعادة أو أن الأمر لا يهمك، بعد ذلك اسأل نفسك ما الذي تحتاجه إليه عندما تشعر بالحزن؟

قد تكون محتاجا لتقبل مشاعرك أو للحديث مع صديق أو لأن تقضي بعض الوقت مع نفسك.. فمهما كانت تجربتك مع الحزن، فهو جزء من كونك إنسان ويجعلنا ندرك التناقض بين السعادة والحزن، ونحن نحتاج لهذا التناقض لندرك نقاط ضعفنا، وتقدير حجم الأرباح والخسائر في حياتنا.

بتقبلك مشاعر الحزن ستكون أكثر قدرة على فهم نفسك ومشاعرك الحقيقية وما تحتاج إليه وما تخسره أو تكسبه، وكذلك ستصبح أكثر قدرة على التعاطف مع الآخرين . 

الفقد وأنواعه :

وقد يكون الفقد مسترجعًا أو غير مسترجع ،

فالفقد المسترجع هو الذي يمكن تعويضه واستعادة الشيء أو بديله وهو شائع جدًا بين الكبار والصغار وكل الفئات والأعمار مثل: حوادث السيارات، فقد الحبيب، الخسائر المادية البسيطة، فقد العمل، الخلافات وفقد الأصدقاء؛ ترك بيت العائلة، أو فقد البيت والاضطرار لبيعه، أو سفر أحد المقربين لفترة طويلة مثل الهجرة.

ولكن الفقد غير المسترجع هو الأكثر إيلاماً، حيث لا يمكن للإنسان استعاضة ما فقد أو استرجاعه أو إيجاد بديل له

مثل : فقدان عزيز من الدرجة الأولى عن طريق الوفاة مثل وفاة ابن، بنت، زوج …الخ وقد يكون وفاة شخص مؤثر في الحياة، أو وفاة صديق أو معلّم.

أو قد يكون الفقد جسدياً كما في حالة بتر أو شلل أحد الأعضاء أو فقدان حاسة من الحواس، أوالمرض الذي لا يُشفى، أو حالات الإجهاض. وقد يكون الفقد بالطلاق أو الانفصال بين الزوجين، فالطلاق نوع من أنواع الفقد، وما يتبعه من أخذ أحد الوالدين للأولاد وابتعادهم عن الآخر تماماً وقد يعاني بعض الأشخاص من الفقد بالطلاق تمامًا مثل الفقد بالوفاة.

وقد يدخل في باب الفقد كذلك فقد المال أو الخسائر التجارية الكبيرة كما في الانهيار الاقتصادي مثلاً مثل فقدان رؤوس الأموال أو … ،أو فقد الفرص الكبيرة التي لا تتكرّر.

كل هذه الأمثلة عن حالات الفقد صعبة وتحتاج إلى إرادة وقوة لتجاوزها .

المشاعر  التي يمر بها الفاقد الحزين :

من الضروري أن نعرف  ما هي المشاعر التي يمر بها الفاقد، لأن الوعي لهذه المشاعر هو الخطوة الأولى في محاولة التعامل مع الفقد واستيعابه .

تتفاوت المشاعر التي يمر بها الفاقد ما بين حزن وغضب وندم ولوم وصدمة وشعور بهول المصيبة وغيرها، كلها أو بعضها، وتختلف ردود فعل الأشخاص في التعامل مع حالة الفقد الواحدة وحتى لو كانوا أقارب في نفس البيت، وكذلك تختلف طول فترات بقاء تأثيرها بين إنسان وآخر، فبعض الأشخاص تستمر حالة المشاعر هذه معه لفترة طويلة أو قصيرة حسب طبيعة الفرد.

واختلاف المشاعر هذه يعتمد على أمور عديدة منها الثقافة والوعي والتجربة والخبرة ويلعب العمر أحياناً دوراً في اختلاف طبيعة المشاعر وطول فترة استمرارها، ،

وتلعب الحالة النفسية أيضاً دوراً في تحديد هذه المشاعر فمن يمر في أزمة نفسية أو يعاني من اعتلال نفسي تكون ردة فعل مشاعره على الفقد مختلفة عن الشخص الصحيح نفسيًا.

وأحيانً أخرى تختلف هذه المشاعر بوضع الصحة الجسدية وليس النفسية فقط.

ولذلك أهمية عدم مقارنة ردود فعل الأشخاص ومشاعرهم تجاه عملية فقد بين بعضهم البعض لأن لكل منهم وضع مختلف عن الآخر وأكرر ولو كانوا إخوة في بيت واحد،وأعتقد أن كل منا مرَّ في مثل هذا الموقف .

وفي كل الأحوال مهما كانت المشاعر التي نمر بها في حالة الفقد فإن النصيحة الأساسية  ألا نبالغ في أيّ منها، ولا ندع المشاعر السلبية تسيّطر علينا.

ويمرُ الشخص الفاقد كذلك بمراحل مختلفة من ردود الفعل تجاه الفقد منها:
1- حالة من السواد، والوجوم وكأن العالم قد سَكَن، وعم فيه الصمت.
2- يشعر البعض الآخر وكأنه يحلم، ويتمنى لو يستيقظ منه ويكتشف أن الفقد لم يحدث.
3- قد يمر البعض بمرحلة من النكران والإنكار، والتمويه وكأن شيئاً لم يحدث فتشعر ببرود غريب في مشاعره ويتابع حياته بطريقة لا يمكن تصديقها بأن الوضع طبيعي وكأن شيئاً لم يتغيّر.
4- وفي بعض الحالات يمر الفاقد بحالات الإدمان بكل أشكاله سواء كان التدخين أو شرب الكحول أو تناول المسكنات أو الأكل أو عدم الأكل.
ويصاحب هذه الحالات الشعور بالسخط والمرارة وكأن الفاقد يحاول الهروب من الوجع والخسارة، أوقد يدخل في مرحلة من اليأس والكآبة.

ويجب أن نؤكد على أن الجميع يمر في مثل هذه المشاعر أو بعضها ولكن يجب ألا نبالغ في مشاعرنا لأننا نحرق أنفسنا، كل هذه المشاعر يجب أن نمر بها ، ولكن طول الفترات تتفاوت  بين إنسان وإنسان فالبعض يجتازها ويتجاوزها بلحظات ليصل إلى حالة التصديق بسرعة، والبعض الآخر يحتاج إلى سنوات بل وعشرات السنوات ولا يتمكن من اجتيازها.

نصائح لتخطي حالات الفقد و الحزن :

1- لا تدع المشاعر السلبية تسيطر عليك، فماذا يفيد الغضب؟ لن يغيّر شيئاً، من حقك أن تشعر بالغضب ولكن لا تجعله يسيطر عليك. لأن الشعور بالندم وجلد الذات لا يؤدي إلى نتيجة فهذه المشاعر السلبية التي تأتي بعد الفقد ليست حلولاً بل هي موانع ومصدات أمام عملية الشفاء وتجاوز المحنة، إن أردت حقًا التعامل مع الفقد الخطوة الأولى تكون بالوعي أن هذه المشاعر لن تأخذك إلى أي مكان، بل يجب أن تحوّل المشاعر لأفعال وتبدأ بالتصرف بعد فترة وجيزة لتجمع الحقائق وتتعامل مع الموقف وتتخذ القرار الصحيح أو تعرف الحل المطلوب، أو تتقبل الموضوع وتتابع حياتك.
2- بالقبول والرضا والتسليم بأن هذا قد حدث ويجب التعامل معه، وهو يحدث لغيري ولكل الناس فهو القدر.
هذه المشاعر تدل على الإيمان الصادق الحقيقي وتوكل الإنسان على رب العزة وحده لا شريك له.
3- يجب اتخاذ القرار: “هل الخسارة تدمرني أم الخسارة تغيّرني!؟” يحتاج الفاقدُ إلى مواجهة الموقف لتغيّر الخسارة نظرته للدنيا نحو الأفضل .
4 – لا تعلق في الماضي لأنه مضى ولا رجعة إليه ولا يمكن تغييره، لا تجلد ذاتك ،  فكم من حالات فقد كانت سبباً في الابداع وكانت سبباً في توسعة الرزق، أو تقوية الذات أو اكتشاف القدرات أو تحقيق الأهداف، فلا تهرب أو تخاف من المستقبل المجهول، بل يتحتم عليك أن تعيش الحاضر.
5- اعلم أن الذكريات لا تختفي ولن تزول أبداً مهما حاولنا أن ننسى، ولكن يجب أن نعيش ونتعايش مع هذه الذكريات بحلوها ومرها، ونحولها إلى شيء جميل يذكرنا بإيجابية بالفقد
6- كلمة “يا ريت” وكلمة “لو” لا تفيد بل تفتح باباً من عمل الشيطان وسؤال: “لماذا أنا؟”” لماذا لم يحدث لغيري؟”” لماذا الآن؟”” لماذا؟” لا يجدي نفعاً، فما حصل قد حصل ولن يتغيّرهو قدر ونصيب مكتوب، بل يجب أن تحول سؤالك إلى تساؤل: “لماذا لا يحدث معي كما يحدث مع غيري؟” ما الذي يعصمني من الوقوع في الفقد؟” أنا لست معصوماً من الفقد! كما هم فقدوا أنا سأفقد .
7- يجب أن نعي لاختلاف أثر الفقد على الحياة ، ولكن نتمنى أن يكون للفقد أثراً إيجابياً على حياتنا حيث يحول الفقد في بعض الأحيان حياتنا إلى بساطة أكثر .

وخلاصة القول يُعَدُّ النهوض بعد الفقد نمط حياة مستمر ومنهج تعامل بعد حالة الفقد مهما كان نوعها.

نصائح في التعامل مع الفاقد ومشاعر الحزن :
الفقد هو قَدَرُ الله الواقع في كل لحظة وفي كل ساعة ويجب علينا أن نصبر عليه وألا يذهب بنا الحُزن كلَّ مذهب.
وتلعب العائلة كما الاصدقاء الدور الأكبر في تحسين نفسية المريض وخاصة الزوج أو الزوجة والأصدقاء المقربون، فالكلام المشجع يزيد من مناعة الشخص لأنه يحسّن من نفسيته وتزداد قدرته على مقاومة الموقف وتحمل الفقد. ويمكن مساعدة الفاقد كالآتي:

1- لا تطلب منه عدم البكاء! لأن البكاء راحة وهو مظهر عاطفي طبيعي. والفاقد يحب أن يستمع للكلام المشجع والمطمئن ولا يرغب برؤية الناس يبكون حوله، فاستعمل عبارات تشجيع حقيقية.

2- إذا لم تملك الكلمات المناسبة للتخفيف عن المريض، قم بأمور بسيطة، كعناقهم بحنية، أو إرسال رسالة قصيرة وتكتب فيها عبارات، مثل: نفكر بك طوال الوقت، ونثق بقوتك، إذا احتجت أية مساعدة نحن هنا، نحن بجانبك ولأجلك، أعتقد أنك انسان قوي، كما يجب أن تعلم أنني أهتم لأمرك كثيرًا، وأحبك وسأبقى دوماً إلى جانبك، أعلم أنك قادر على قهر الموقف، فمصابك ليس بالأمر السهل أبداً، وعليك أن تعلم أنك قوي جداً .
3- إن أفضل ما يمكن أن يبديه المرء هو الحنان، فمن المهم الاستمرار في طرح عبارات التشجيع، سواء الشخصية أو عبر رسائل قصيرة، ويجب أن نحذر من إطلاق العبارات بدون تفكير بشكل عام
فربما تأتي بغير معناها، لذا التركيز على الحب والدعم هو القاعدة الأساسية، ولكن بخفة ظل واعطاء مساحة مناسبة للشخص الفاقد.
4- الناس المحيطة بنا لها دور كبير في تقديم الدعم في حالة الفقد فهم إما أن يعملوا على زيادة ثقتنا بأنفسنا أو يؤدوا إلى خلخلة ثقتنا بأنفسنا .
5- ابتعد كل البعد عن اللوم والتوبيخ في حال كان المصاب سبباً في حدوث الفقد، ولا تقول له مجنون، أو ” شو كنت بتفكر؟” “وين كان عقلك؟” ” كيف ما انتبهت” ….من هذه العبارات، لأن ما حدث قد حدث، ولن يمكن إرجاع الماضي أو تغيير الموقف، أو إرجاع الفقد، فلو كنا نعرف ما سيحدث لاخترنا الحل الأسلم دائماً، وهنا يتجلى الإيمان بالقدر لذا علينا التركيز على الروحانيات،
6- أعلم أن جميع من سيأتي للزيارة هم من الأهل والأصدقاء، وهم على وعي بأن يتلفظوا كلاماً طيباً ولكن في بعض الأحيان يشعر الفاقد أنهم تلفظوا بكلام جارح، أو يتحسس من أي كلمة قد تقال، وهم لا يقصدون ذلك، لأن هدفهم الرئيس هو التخفيف عن الشخص الفاقد ولكنه في موقف حرج وأي كلمة ليست في محلها قد تؤذيه ولا يتقبل أي شيء بسهولة، لذا يجب الانتباه إلى ألفاظنا، وفي بعض الأحيان قُل كلمات بسيطة وكفى .
7- من الضروري عدم قيام الزائر بسؤال الفاقد أو المصاب عما حدث؛ لأن ذلك يثقل عليه ويضجره، ويتعبه إعادة سرد القصة لأنها تفتح له أبواب الألم كلما حاول وصدها بتذكيره بالموقف. لذا لا تسأل ولا تتكلم أمامه بما يقلقه أويزعجه بل أظهر له من الرقة واللطف ما يَطِيب به خاطره.
8- إذا كنت لا تحتمل الموقف أو المنظر لا تزر ولا تقابل الشخص الفاقد، فالنظرة الجارحة من الآخرين مؤذية، فالشخص قد يتحمل وضعه ولكن الناس قساة بنظراتهم بدون أي تعليق.
9- لا تقُم باتخاذ الحلول والإجراءات نيابة عنه ما لم تكن متأكداً من رضاه عن الأمر، بل يجب استشارته وابلاغه بأي فعل تنوي القيام به ظناً  منك أنك تخفف عنه، فإن وافق تصّرف وإلا قد يعطيك البديل أو يشكرك ويطلب عدم أخذ أي إجراء، هو في حالة فقد ولكنه لم يفقد عقله وقدرته على اتخاذ قرارات خاصة بحياته.

بي بيرفكت للطب النفسي 

أكاديمية كوريكتور 

أخصائي نفسي الولاء مكي

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟