المراهق ومعتقداتة الغريبة 2

مرحلة المراهقة ولا يخفى على أحد أنها مرحلة حرجة في جميع أبعادها لما تحمله من متغيرات على جميع الأصعدة النفسية والجسدية والاجتماعية من جهة، وكون عملية النمو خلالها تتصف بالسرعة في نتائجها وبالشمولية في مستوياتها من جهة أخرى.
ومع هذه الحالة التي تتصف بعدم الاستقرار والتي تعتبر المرحلة الأهم من حيث بناء منظومة الفرد الأخلاقية والفكرية والقيمية، تبدو أهمية التركيز والانتباه على الأفكار التي يتعرض لها المراهق ومدى ارتباطها من حيث الاقتراب أو الابتعاد عن الثقافة السائدة في مجتمعه وكيف ينظر المجتمع لهذه الأفكار من حيث القبول أو الرفض، وبالتالي تبدو أهمية دراسة هذه الأفكار والتعرف عليها وفهم أسبابها ومصادرها وتقدير نتائجها والطريقة الأمثل للتعامل معها .

دور الأفكار الغريبة على المراهقين

بما أن المراهقة تعتبر المرحلة الأهم في تكوين الذات الاجتماعية والهوية الفكرية للفرد، وكونها مرحلة تتميز بتقلب المزاج وطريقة التفكير بطريقة يمكن القول بأنها تتأثر بكل ما حولها وكل ما يعرض عليها، فإن الأفكار  التي تمثل ثقافة هذه المرحلة لها تأثير اتٌ عديدة على هذا المراهق منها النفسية أو الاجتماعية وحتى العقلية أو الثقافية، وهذه الأفكار نفسها قد يكون لها أثر سلبي ويعود بنتائج سيئة على المراهق أو أثر  إيجابي يمكن استغلاله لتحقيق اهداف تربوية وتعليمية، ويتوقف اتجاه هذا الأثر على الظروف المحيطة بالمراهق وطبيعة الدعم النفسي والاجتماعي الذي يتلقاه، ومن هذه الآثار مثلاً:

– المعتقدات التي يشكلها المراهق وفلسفته الخاصة عن الحياة، فإما أن تقوم هذه المعتقدات على الرفض التام للمجتمع وما لهذا الرفض من نتائج عكسية على اندماج المراهق وتوافقه الاجتماعي، وإما أن تكون ذات مغذى تطوري يفيد في تنمية شخصية صالحة وسوية اجتماعياً عند المراهق.
– تكوين الهوية الاجتماعية والنفسية، فهذه الأفكار قد تكون سبباً في تكوين شخصية غير واثقة ومرتبكة على المستوى النفسي والاجتماعي، أو سبباً في بناء منظومة فكرية وثقافية خاصة بالمراهق يستطيع من خلال تحديد دوره الاجتماعي وهويته الذاتية.
 وأهم ما يقلق ذوي المراهقين عادة هو أثر أفكار أبنائهم المراهقين على تحصيلهم الدراسي والتعليمي، فلهذه الأفكار أيضا أثراً كبير في هذا الإطار، فمن جهة قد تعيق هذه الأفكار دراسة المراهقين وتلهيهم عن القيام بواجباتها، ومن جهة أخرى قد تساعد في تطوير مهاراتهم ورغبتهم في الدراسة إذا نجحوا في الربط بين الرغبة في تحقيق أفكارهم وبين القيام بواجباتهم الدراسية على أفضل وجه كونها الطريقة الأمثل للوصل إلى أهدافهم.
– ولهذه الأفكار ضرورة لإدراك المراهق لقيم مجتمعه ومعاييره وأهميتها في تنظيم حياته هو وأفراد مجتمعه.

الطريقة الأفضل للتعامل مع أفكار المراهقين

وسط هذا الجو العاصف من التغيرات الشاملة والمشحون بالتطورات المتسارعة في شخصية ونمو المراهق، والتي تنعكس في أثرها عليه من حيث أفكاره ومعتقداته ومعايير فهمه وإدراكه وتحليله للأمور، تبدو الحاجة إلى التدخل من قبل من هم أكثر منه نضجاً ووعياً ودرايةً في تفاصيل الحياة ومتطلباتها في سبيل تحقيق التوازن بين الأفكار التي تجول في خاطره وبين ما هو سائد في الحياة والمجتمع من حوله، ويمكن تحقيق أكبر قدر من هذا التوازن عند اتباع خطوات عدة يمكننا أن نذكر منها:

– تأييد أفكار المراهقين، فبعض هذه الأفكار وإن كانت غريبة في شكلها إلا إنها قد تساعد في تطوير مهارات التفكير لديه وتوسيع خياله وتنظيم طموحاته، وهذا النوع من الأفكار يعتبر مفيداً إذا بقي في الإطار الطبيعي والآمن، ولا بد من تشجيع هذا النوع من الأفكار فهو يفتح أفاقاً واسعة من الإبداع وتطوير الذات أمام المراهق إذا استطعنا توجيهه بالطريقة الصحيحة.

– من الخطأ إشعار المراهق بأن أفكاره غريبة ومرفوضة بشكل نهائي دون اطلاعه على سبب هذا الرفض، بل يجب أن يشعر بانه طبيعي وكل الناس يختلفون في أفكارهم وليس في الأمر مشكلة أو مرض، وإنما يجب عليه أن يجد صيغة منطقية في طرح أفكاره وتقيمها، حتى لا ينغلق على نفسه وينعزل عن محيطه ويحول الأمر إلى مشكلة حقيقة.

– من الجيد نشجيع المراهق باستمرار على إعادة التفكير بمعتقداته وتحليها ومحاولة إعادة صياغتها بحيث تصبح أكثر موائمةً وقبولاً على المستويات الواقعية والمنطقية والاجتماعية، حتى لا تلاقي الرفض من المحيط وبالتالي يؤدي هذا الرفض إلى عدم تحقيق رغباته وما يفكر به.

المراهقون أبناؤنا؛ وهم يمرون في مرحلة حرجة يعيدون من خلالها التفكير في كل شيء، ويحولون فيها تكوين ذاتهم النفسية والفكرية وبالتالي تحديد هويتهم الاجتماعية، ولهذا كان من الضروري فهم ما يفكرون به والطريقة التي يدركون فيها العالم من حولهم بغية حمايتهم من أنفسهم ودعمهم في مواجهة هذه المرحلة الحرجة من حياتهم، وفي هذه الدراسة كان لنا في موقع حلوها محاولة الإضاءة على أهم ما يعتبر غريب من أفكار المراهقين وفهم أسبابها وآثارها على شخصية المراهق وثقافته، تمهيداً لمعرفة وتحديد الطريقة الأنسب للتعامل معه ومع أفكاره الغريبة حتى لا يصل فيها إلى مرحلة يصعب معها السيطرة على هذه الأفكار وضبط تطورها وتعقب آثارها.

اخصائي نفسي 

الولاء مكي 

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟