إن السلوك بشكل عام ما هو إلا سيرة الإنسان وتصرّفاته فهنا لا بد أن نميز بين السلوك العدواني وبين العدوانية ، وكثيرا ما يُخلط بينهما.
السلوك العدواني تتعدد أشكاله وتتفاوت شدته وقد يكون عابرا أو مجرد رد فعل الأذى ، وقد يكون أسلوبا متكررا في حسم النزاعات بين الأطفال .
أما العدوانية فهي ظاهرة عامة يمارسها الأفراد بأساليب متعددة ومتنوعة . وتأخذ صورا، مثل التنافس في العمل أو الدراسة وفي اللعب. ويتخذ العدوان صورا متمثلة في التعبير اللفظي أو العدواني البدني. وقد يتخذ صورة الحرق أو الإتلاف لما يحب الآخر.
تُعدّ المشكلات السلوكية من المشاكل المنتشرة كثيرا في سن الطفولة والمراهقة، فليس هناك من طفل لا يتسبب بمشكلة سلوكية سواء كانت في البيت أو المدرسة، فالمشكلات السلوكية تختلف بأنواعها وظروفها وتختلف أيضا بين الأطفال أنفسهم، بالتالي فهي لا تدعو إلى القلق لأنها من طبيعة الحياة نفسها بأنها تزول بزوال أسبابها، فليس هناك من طفل من الجنسين لا يقدم على سلوك عدواني في حياته وفي مواقف التنافس والغيرة ومواقف الدفاع عن النفس وليس هناك طفل لا يتشاجر أو يخرّب أو ينتقم من منافسه أو من المعتدي عليه.
أسباب السلوك العدواني عند الأطفال والمراهقين
هناك عدة أسباب تدفع الطفل العنيف إلى السلوك العدواني. يعود بعض تلك الأسباب إلى العلاقات داخل الأسرة، والأساليب الخاطئة في التربية، واحتياج الطفل لتعلم مهارات التواصل.
كما يعود بعضها إلى الإساءات التي يتعرض لها الطفل خارج المنزل، أو إلى عوامل اقتصادية واجتماعية.
تتلخص الأسباب اللسلوك العدواني عند الأطفال والمراهقين فيما يلي :
الاضطرابات الأسرية الناتجة عن انفصال الوالدين أو التفكك الأسري والنزاعات المتكررة، مما يؤدي إلى افتقاد الطفل للحب والأمان.
تعزيز الوالدين للعنف عند الطفل، بالكلمات أو بتعبيرات الوجه. وقد يشجعانه على استخدام العنف للدفاع عن نفسه، ظنًا منهما أنهما بذلك يربيان طفلاً شجاعًا. وهذا يدفع الطفل إلى الاعتقاد بأن العنف سلوك مقبول.
مشاهدة البرامج التليفزيونية والألعاب العنيفة، مما يدفع الطفل إلى تقليد ما يشاهده. كما يقلل حساسيته تجاه العنف.
تسلط الوالدين ، مما يدفع الطفل إلى التمرد وكبت مشاعره، ومن ثم خروجها في صورة نوبات غضب وسلوكيات عنيفة.
الحماية الزائدة والتدليل، مما يدفع بالطفل إلى الاعتقاد بأن كل رغباته مستجابة.
استخدام الوالدين والمعلمين ومسئولي الرعاية للسلوك العدواني .
التعرض للإساءات الجنسية والجسدية والعنف في المنزل أو المجتمع، والتعرض للتنمر.
عوامل اجتماعية واقتصادية، كالفقر، والحرمان الشديد، والبطالة، وغياب الدعم العائلي، وضيق مساحة المنزل .
الشعور بالفشل والإحباط والحرمان العاطفي، والشعور بالغيرة من زملائه وأصدقائه أو من أخيه الأصغر لاستحواذه على اهتمام العائلة .
عدم الوعي بالمشاعر، وضعف القدرة على التعبير عنها والتحكم فيها .
أسباب عضوية كعوامل وراثية، أو تلف في المخ بسبب إصابة في الدماغ، أو المرض والشعور بالعجز .
أن السلوك العدواني يشكل جزءاً طبيعياً من النمو السلوكي العاطفي للطفل نتيجة التغييرات التي يمر بها والتي يسعى إلى التأقلم معها فتسبب له التوتر نتيجة الخوف والقلق من المحيط الجديد الذي يختبره ويكتشف في الوقت نفسه الحدود التربوية لدى أهله. إلا أن هذا السلوك العدواني قد يتخطى حدوداً معينة وفي حال استمرار رود الفعل هذه إلى ما بعد سن 3 أو 4 سنوات تكون قد تخطت تصنيف السلوك العدواني المرتبط بالنمو الطبيعي، بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية شارلوت خليل وهو يختلف في مرحلة الطفولة عن مرحلة المدرسة وايضاً عن مرحلة المراهقة ويتم التعريف عنه في علم النفس بأنه عبارة عن حالة من التوتر النفسي يمر بها الطفل فتظهر بشكل ردود فعل سريعة لا تنسجم مع الموقف الذي هو فيه فيكون عندها سهل الاستفزاز وكثير البكاء. وتضيف خليل:” ثمة علامات معينة تعكس السلوك العدواني لدى الطفل ويمكن أن تلفت نظر الاهل كقضم الأظافر والعناد الزائد والحركات اللاإرادية والمشاجرات. هذا ومن خلال الانفعال الزائد والسلوك العدواني لدى الطفل، هو يوجه إنذاراً إلى خلل لديه على المستوى الانفعالي كالقلق والخوف والاحتياجات التي يجب تلبيتها أو غيرها. وهنا تبرز أهمية تدخل الأهل.
أن اللافت في مجتمعاتنا الشرقية ثمة إعجاب بالسلوك العدواني لدى الطفل بدءاً من الاشهر الأولى فكأنه ثمة فخر ب”قوة ” الطفل أو طباعه الحاد وانفعاله الزائد. وتضيف”من الواضح أن كثر من الأهل يبررون تصرفات من هذا النوع لدى الطفل بكونها تعكس نضجه وشخصيته القوية وبأنه يثبت ذاته بهذه الطريقة وكأنه ثمة نفي للسلوك السلبي الظاهر لديه وعندها من الطبيعي ألا يتم التدخل بالشكل الصحيح في مرحلة مبكرة لمعالجة ذلك فيؤدي التأخير إلى تطور ذلك وصولاً إلى السلوك العدواني بآثاره السلبية على الأهل والطفل. فينتج عنه لدى الطفل مشكلة على المستوى الاجتماعي وعلى قدرته على تقبل الخيبات والفشل والخسارة.”
حلول بين أيدي الأهل
يمكن ان يتدخل الأهل بطرق مختلفة للحد من السلوك العدواني لدى الطفل والتخلص من التصرفات العدوانية لديه وذلك عن طريق :
-ضرورة السيطرة على مشاعرهم والحرص الشديد على عدم وجود تمييز بين الأطفال وعدم وجود غيرة بينهم
-أعطي المجال للطفل للتعبير بوضوح وتشجيعه على ذلك كبديل عن التعبير بالسلوك العدواني
-بناء علاقة ثقة في المنزل مبنية على الحوار
-لأن مشاهدة البرامج المستندة على العنف قد تكون سبباً من الضروري التنبه إلى البرامج التي يشاهدها وحتى إلى أصدقائه لانهم قد يؤثرون فيه أيضاً
-عدم التعامل مع الطفل بانفعال ومع المحيط أيضاً ومع بعضهم حتى لا يكتسب ذلك
-معاقبة الطفل أو حرمانه مما يطلبه في حال اعتماده السلوك غير المقبول كالصراخ والعناد…
من الضروري أن يتدخل الاهل في مرحلة مبكرة قدر الإمكان للتعاطي مع سلوك من هذا النوع قبل ان يتطور وتصبح العدوانية من السمات الاساسية في شخصية الطفل فيستند إليها في تعاطيه مع المحيط وفي حياته عامة كمراهق ولاحقاً كأب أو أم وزوج وغيرها .
تعديل السلوك العدواني عند الأطفال والمراهقين :
يتطلب علاج سلوك الطفل العنيف التعامل مع مسببات هذا السلوك العدواني. ويتضمن ذلك محاولة إصلاح بعض الظروف المحيطة بالطفل.
كما يشمل تعليمه وسائل لتنظيم مشاعره والتواصل مع الآخرين. وإليكم بعض المقترحات:
-
التعامل مع الخلافات الأسرية والمشكلات المدرسية، وحماية الطفل من التعرض للإساءة.
-
التربية الجنسية التي تساعد في حماية الطفل من التعرض للإساءات الجنسية، وعلاجه منها إذا وقعت.
-
تعليم الطفل تحمل العواقب والمسؤولية عن سلوكياته.
-
تعليم الطفل استخدام الكلمات للتعبير عن مشاعره ورغباته واحتياجاته، والتحكم في غضبه وإحباطه ومشاعره بشكل عام.
-
تعليم الطفل بعض المهارات الاجتماعية كوضع نفسه مكان الآخر، واحترام الدور.
-
تعليم الطفل تكوين صداقات بطريقة لطيفة. فبعض الأطفال يحاولون الانضمام إلى غيرهم من الأطفال يلعبون معهم عن طريق مضايقتهم.
-
تشتيت الأطفال الصغار نحو سلوك آخر إيجابي أو نشاط آخر، وإخباره بما يفعله بدلاً من إخباره بما لا يفعله.
-
توفير المساحة المناسبة لعدد الأطفال. فالسلوك العدواني يزيد عندما يوجد قليل من الأطفال في مساحة واسعة جدًا، أو كثير من الأطفال في مساحة ضيقة جدًا.
-
الحرص على إشباع الاحتياجات الأساسية للطفل. فدرجة سوء السلوك لدى الأطفال تزيد عندما يشعرون بالجوع أو التعب أو البرد أو الحر.
-
تعليم الطفل قواعد المنزل، وإبعاد الأشياء الخطرة والقيمة عن متناول يديه، وتخصيص مساحة له يلعب فيها بحرية.
-
مراعاة طبيعة الطفل في كل مرحلة. فالطفل الدارج لديه قدرة ضئيلة على التحكم في نفسه.
-
إتاحة الفرصة للأطفال لحل خلافاتهم بأنفسهم. يجب أن تتدخل عندما يتشاجرون بالأيدي ويرفضون التوقف، أو عندما يبدو أحدهم متهيجًا بشدة.
-
تشجيع السلوكيات الجيدة والثناء عليها.
-
تجنب الشعور بالذنب أو الاعتذار عند تأديب طفلك. إحساسه بمشاعرك المتناقضة سيجعله يعتقد بأنه كان على صواب وأنك سيئ.
-
مساعدة الطفل على شغل وقت فراغه بأنشطة ممتعة ومفيدة.
-
إشباع الاحتياجات النفسية والعاطفية من حب وانتماء وأمان وتقدير وقبول.
-
مراقبة سلوك أبناءك على الشاشات:
– إذا كان لديك أطفال تحت سن السادسة، فابذل جهدك لإزالة أي محتوى عنيف، بما فيه الرسوم المتحركة. فالأطفال الصغار لا يستطيعون التفرقة بين الحقيقة والخيال. لديك الحق والسلطة لمنع أبنائك من لعب الألعاب التي تكافئ إطلاق النار والقتل وإيذاء الآخرين.
– اجلس مع أبنائك وشاركهم فيما يشاهدون أو يلعبون، وقيمها بعينٍ على ما تعلمه لهم. ستكتسب فهمًا أعمق لجانب مهم في حياتهم. وسيكون لديك فرص للمناقشات وشرح قيم الأسرة.
متي نلجأ لمتخصص تعديل السلوك:
يفهم الأطفال الصغار بعضهم بصعوبة، كما أن ردود أفعالهم سريعة. لذا طبيعي أن يتشاجروا. وغالبًا لا يقصد بالسلوك العدواني العداء أو إيذاء الآخرين، بل إن الأطفال الصغار يحزنون عندما يُجرح أحدهم أثناء اللعب. وتجدر الملاحظة بأن القشرة الأمامية في المخ المسؤولة عن التفكير المنطقي والتحكم في الانفعالات تتطور تدريجيًا خلال سنوات الطفولة والمراهقة. وتشير الأبحاث إلى أنها لا تكتمل إلا في العقد الثالث من العمر.
ينبغي أن تستشير متخصصًا في المواقف الأتية:
لو بدا طفلك عنيفًا بشكل يفوق العادة لمدة تزيد عن بضعة أسابيع، ولم تستطع التعامل مع سلوكه دون مساعدة.
إذا كان يفقد السيطرة على نفسه بشكل متكرر، ويغضب بشكل حاد ومتهيج، ويصاب بالإحباط بسهولة.
إذا كان يؤذي نفسه أو يتحدث عن هذا الأمر، خُذْ كلامه على محمل الجد، وكن هادئًا في التعبير عن مشاعرك، وتجنب الصراخ أو التهديد.
إذا كان يهجم عليك أو على غيرك من البالغين.
لو بدأ الآخرون يمنعونه من اللعب مع غيره من الأطفال.
إذا كنت تخاف على سلامة الآخرين المحيطين به، أو إذا كان يؤذيهم بالفعل.
قد تكون تلك علامات على إصابته باضطرابات سلوكية.
كلما كان التدخل مبكرًا كانت استجابة الطفل للعلاج أكبر. عندما ينمو مضطربًا، يكون أكثر مقاومة للعلاج لأنه يكون قد اعتاد على الذات المزيفة التي نما عليها.
إن أي سوء سلوك وراءه احتياج غير مشبع. ولذلك، فإن الطفل العنيف لا يجب مقابلة سلوكه بعنف مثله.
وهو أمر ليس سهلاً، ويحتاج إلى صبر ومحاولات لا تكل. فرفقًا بطفلك وبنفسك. ولا غضاضة من الاستعانة بمتخصص إذا عجزت عن التعامل مع الأمر بمفردك .
بي بيرفكت للطب النفسي
أكاديمية كوريكتور
أخصائي نفسي الولاء مكي