الشعور بالذنب

حقيقة الشعور بالذنب

بالمتوسط يشعر الإنسان الطبيعي بالذنب حوالي 40 دقيقة يومياً أو ما يعادل خمس ساعات أسبوعياً، وفي تتبع العملية التربوية نجد أن مشاعر الذنب من الأمور التي يسعى الأهل إلى تغذيتها عند الأطفال الصغار لخلق حالة من الرقابة الذاتية لديهم، حيث يفهم الأطفال الأفعال الصحيحة والخاطئة من خلال ما يخلقه المربون لديهم من شعور بالذنب.
إذاً الشعور بالذنب يبدأ معنا منذ الطفولة، وكلٌّ منَّا يقوم بتطوير منظومة خاصة به مسؤولة عن الشعور بالذنب، يمكن القول أن مشاعر الذنب تشبه إلى حد بعيد جهاز الإنذار مع مصباح أحمر وصوت قوي، تنطلق عندما نقوم بتصرف لا يتوافق مع منظومتنا، أو عندما نتمنع عن تصرف ما ونعتقد أنه ما كان يجب علينا الامتناع عنه.

أنواع وأسباب الشعور بالذنب

من خلال فهم أسباب الشعور بالذنب يمكن التوصل أسرع إلى طريقة التعامل مع هذه المشاعر، ومن الملفت أن أنواع الشعور بالذنب يتم تصنيفها بناءً على السبب، لذلك فإن أنواع الشعور بالذنب هي ذاتها أسبابه والعكس صحيح.1- الشعور الخاطف بالذنب: عادة ما تكون أسباب الشعور الخاطف بالذنب أسباباً عادية وربما سطحية من وجهة نظر الشخص نفسه، ولا داعي للقول أن وجهة نظر الفرد هي التي تتحكم باستقرار شعوره بالذنب وبالمثيرات التي تحرك هذا الشعور، والمقصود بالذنب الخاطف هي المشاعر التي تنتابك لدقائق قليلة نتيجة فعل ما أو قول ما أو حتى نتيجة حدث معين.
مثال ذلك عندما ترمي قارورة الماء الفارغة من السيارة مثلاً قد تشعر بالذنب لعشر ثوانٍ وربما تفكر أن تتوقف وتعود لأخذها، كذلك عندما تتأخر على موعد غير مهم قد تشعر قليلاً بالذنب لكنك سرعان ما تتابع حياتك كأن شيئاً لم يكن.

2- الشعور الكاذب بالذنب: حيث يحمّل البعض أنفسهم مسؤولية ليست مسؤوليتهم، ويشعرون بالذنب تجاه أمور لا علاقة لهم بها، وغالباً ما يكون هذا انعكاساً لمشاعر أكثر عمقاً، كأن تشعر بالذنب بسبب إفلاس الشركة التي تعمل بها على الرغم أن طبيعة وظيفتك لا يمكن أن تؤثر على مستقبل الشركة المالي.

3- الشعور المسبق بالذنب: هذه الحالة هي شعورنا بالذنب تجاه ما ننوي القيام به، أي أننا نشعر بالذنب تجاه ما نرغب به وما نسعى إليه، مثلاً الزوج الذي يقرر أنه سيفاتح زوجته بالطلاق يختبر شعور الذنب قبل أن يفاتحها في الموضوع، وقد يكون الشعور المسبق بالذنب رادعاً قوياً يحول بين الفرد ورغباته.

4- استقرار الشعور بالذنب: الشعور المستقر بالذنب يعتبر سمة من سمات الشخصية، حيث نجد أحدهم يتميز بحساسية مرتفعة ويكون دائم الشعور بالذنب تجاه الأفعال التي يقوم بها أو التي يمتنع عنها، وعادة ما تحتاج هذه الشخصية إلى مساعدة نفسية لتتمكن أكثر من ضبط مشاعر الذنب.

5- الشعور المتأخر بالذنب: وهو من أكثر حالات الشعور بالذنب تعقيداً، حيث أنه لا يأتي قبل الفعل أو بعد الفعل مباشرة، لكن قد يبدأ بعد مدة طويلة نتيجة مستجدات على الأفكار والمعتقدات أو أحداث تغير نظرتنا إلى الأمور.

6- الشعور العميق بالذنب: وأما الشعور العميق بالذنب فهو الذي يتطور إلى مرحلة الشعور بالعار والندم،  وغالباً ما يتحول الشعور العميق بالذنب إلى عائق في الحياة يؤرق الفرد ويعرقله، والشعور العميق بالذنب عادة ما يرتبط بأحداث كبيرة ومصيرية كارتكاب جريمة أو الاعتداء على الآخرين أو التأثير على حياة الآخرين سلباً.

نصائح للعلاج الذاتي من مشاعر الذنب
1- حلل مشاعرك وحدد الأطراف:
 إذا كنت تشعر بالذنب تجاه أشخاص معينين فحاول أن تتحدث معهم عن مشاعرك وأن تعتذر منهم إن كنت تعتقد أنك أخطأت بحقهم، أما إن كنت تشعر بالذنب تجاه نفسك فحاول أن تعيد تحليل التصرفات التي تشعرك بالذنب ومدى قدرتك على تسوية الأمر.

2- اقترب أكثر من أسباب شعورك بالذنب: من أكثر مشاعر الذنب التي يختبرها المراهقون هو الشعور بالذنب بعد ممارسة العادة السرية، ولتخطي هذه المشاعر السلبية لا بد من الاقتراب أكثر من الحقائق والتعرُّف عن قرب إلى كل ما يتعلق بالعادة السرية وتأثيراتها الإيجابية والسلبية وأسباب الشعور بالذنب بعد ممارستها، وهنا لا بد أن نؤكد على أهمية مصادر المعرفة أن تكون عليمة وخالية من الخرافات.

3- فكر بطريقة لإصلاح الأمور: إذا كنت تشعر بالذنب تجاه والدتك إذاً تقرَّب منها أكثر واهتم بها أكثر، وإذا كنت تشعر بالذنب لأنك تسببت بعقوبة لزميلك في العمل حاول أن تتكلم معه بالموضوع وتشرح له دوافعك ومشاعرك، وربما تقدم له تعويضاً معنوياً أو حتى مادياً عمَّا قمت بإفساده.

4- اختبر منظومتك الخاصة: كما ذكرنا في البداية فإن مشاعر الذنب أشبه بمنظومة إنذار، وهذه المنظومة مرنة جداً ومتفاعلة مع الأحداث الجديدة بشكل كبير، لنأخذ مثالاً على مرونة الشعور بالذنب.
لنفترض أن شخصاً يأكل اللحم بشكل معتدل في نظامه الغذائي لمدة عشرين سنة، لكنه بطبيعة الحال يحصل على اللحم دون أن يرى عملية الذبح والسلخ والتقطيع، وشاء القدر أن يزور أحد أصدقائه الذي يعمل في مسلخ للأبقار، وشاهد عملية الذبح بتفاصيلها، هذه المشاهدة تسللت إلى منظومة الإنذار، وأصبح يشعر بالذنب عندما يأكل اللحم، وربما يتوقف تماماً عن أكل اللحوم ويتحول إلى النظام الغذائي النباتي، لكنه مع ذلك قد يحافظ على وجبة السمك باعتبار أن السمك لا يتعرض لعملية الذبح تلك!.
القصد من اختبار منظومة الشعور بالذنب هو ملاحظة الأفكار والمفاهيم التي تجعلنا نشعر بالذنب، والرجوع إلى جذور هذه المشاعر لفهم حقيقتها والتحكم بها أكثر.

5- خذ نفساً عميقاً: في كثير من الأحوال يكون كل ما تحتاجه هو أخذ استراحة والنظر إلى الأمور من بعيد، أحد الأصدقاء مثلاً كاد شعوره بالذنب يقتله لأنه لم يجب على اتصال صديقه وشاء القدر أن يتعرض هذا الأخير في نفس اليوم لحادث، لكنه عندما أخذ وقتاً في النظر إلى الأمور من بعيد وحاول تحليل الحدث استطاع أن يفهم أنه ليس مذنباً، وأنه لو أجاب على الهاتف آن ذاك لما تمكن من تأخير الموت أو تقديمه.

6- فكر بالمستقبل أكثر: في كثير من الحالات نشعر بالذنب تجاه الأشخاص أو تجاه أنفسنا بعد فوات الأوان، لكن التفكير بالمستقبل بدلاً من الوقوف على الأطلال سيكون حلاً مثالياً، معظم الذين يتخطون تجارب الإدمان على المخدرات يفكرون بما ستكون عليه الأمور ويسعون إلى التخلص من الشعور بالذنب والتعلق بالماضي الذي يدفعهم نحو الغرق أكثر.

أخصائي نفسي 

الولاء مكي 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top
× تريد المساعدة؟