أساليب العقاب التربوي

منذ اللحظة الأولى التي أصبحَت فيها أمًا، قررَت أن أربي ابني تربية إيجابية، وأن تبتعد تمامًا عمَّا تربَّت هي عليه في صغرها.

كنت أظن أن التربية الإيجابية تعني أنه لا عقاب على الإطلاق، لأن العقاب بكل أنواعه -في نظرها- مؤذٍ لنفسية الطفل.

إن الأساليب التربوية الأخرى قد لا تجدي نفعًا في بعض الأحيان، ويصير الطفل حينها بحاجة إلى بعض الحزم الذي يُقوَّم به سلوكه، وهنا يأتي دور أساليب العقاب التربوية التي تحقق للطفل النفع لا الضرر

ماذا تعني أساليب العقاب التربوية؟ 

أساليب العقاب التربوي للطفل (أو كما يُطلَق عليها أيضًا “طرق العقاب الإيجابي“  هي أحد طُرق التربية التي تهدف إلى تقويم سلوك الأبناء.

تعمل تلك الطُرق على ربط ما يفعله الطفل من أخطاء ببعض العواقب غير السارة، وذلك من أجل تقليل فرص تكرار هذه الأخطاء في المستقبل.

قد تجدي هذه الطرق نفعًا في بعض الحالات، ولكنها تظل جزءًا من المعادلة الكبرى لعملية التربية.

بمعنى أنها يجب أن تعمل جنبًا إلى جنب مع الوسائل الأخرى، لكي نحصل على نتائج إيجابية ومرضية في تعديل السلوك غير المرغوب فيه للطفل.

 

أمثلة على أساليب العقاب التربوية

 نحن نعلِّم الطفل أن لكل فعل عاقبة، وتعتمد نوعية هذه العاقبة على الفعل نفسه؛ فالأفعال غير السليمة تكون عواقبها غير سارة.

في الحقيقة، هذا هو نهج الحياة وديدنها مع الجميع كبارًا وصغارًا، فجميع أفعالنا في هذه الحياة متبوعة بعواقب معتمدة عليها، سواء كانت عواقب إيجابية أو سلبية.

على سبيل المثال: إذا لمستَ قدرًا ساخنًا، ستحترق يدك؛ هذه عاقبة سلبية تحدث كرد فعل طبيعي لِما قمت به.

إذًا، يمكننا القول أن أساليب العقاب التربوي للطفل ليست أمرًا مستهجنًا، بل هي وسيلة طبيعية لتعليم الطفل تحمل مسؤولية أفعاله، لأن هذا ما سيواجهه في الحياة بعد ذلك.

والآن دعونا نستعرض كيفية تطبيق العقاب التربوي…

أمثلة شائعة على بعض طُرق العقاب السليمة للأطفال:

  • التوبيخ: هو وسيلة كلامية يُظهِر بها المُربِّي أو المعلم للطفل أنه غير راضٍ عن الفعل الذي ارتكبه.

وبالطبع ليس التوبيخ شيئًا محببًا للصغار أو الكبار، لذا قد يحفز ذلك الطفل على عدم تكرار الخطأ تجنبًا للتوبيخ.

  • الأعمال المنزلية: يفرَض على الطفل الذي أخطأ تنفيذ بعض المهام الإضافية بالمنزل، وقد تكون هذه المهام مرتبطة بالخطأ الذي ارتكبه.

على سبيل المثال: إذا تسبب الطفل في سكب بعض الأطعمة أو المشروبات على الأرضية أو الأثاث، يطلَب منه تنظيفها بنفسه.

قد تجدي هذه الطريقة نفعًا مع الأطفال الأصغر سنًا، أما الأطفال الأكبر سنًا فيُطلَب منهم تنفيذ بعض الأعمال المنزلية الأخرى، كغسل السيارة، أو تنظيف حديقة المنزل، أو غير ذلك.

  • فرض قيود إضافية: على سبيل المثال: المراهق الذي عاد إلى المنزل ليلًا في وقت متأخر، تحدَّد له ساعة عودة مبكرة لا يتخطاها كل يوم.

  • الحرمان من شيء محبَّب: على سبيل المثال: الحرمان من استخدام الهواتف الذكية في أيام العطلات،

    أو الحرمان من الذهاب إلى رحلة ترفيهية ما.

لكن، متى تكون طُرق العقاب الإيجابي فعالة؟

لكي نستطيع الإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نلقي الضوء أولًا على ما يسمَّى بـ”نظرية الإشراط الإجرائي”.

سكينر ونظرية الإشراط الإجرائي

في أوائل القرن العشرين، طوَّر عالم النفس “سكينر” بعض مفاهيم نظرية السلوك، إذ ركَّز على فكرة معالجة السلوك عن طريق ربطه بالعاقبة، وقد أسمى نظريته بـ”الإشراط الإجرائي – Operant Conditioning”.

تدور هذه النظرية حول استخدام طريقتي العقاب والتعزيز لمساعدة الطفل على تكوين رابطة بين أفعاله والعواقب الناتجة عنها.

إذ يستخدم العقاب سواء الإيجابي أو السلبي لحث الطفل على وقف السلوك الخاطئ، أما التعزيز (الإيجابي أو السلبي) فيستخدم من أجل تشجيع الطفل على تكرار السلوك الجيد.

متى تكون أساليب العقاب التربوية فعالة؟ 

طبقًا لـ(سكينر)، لكي تأتي أساليب العقاب التربوية بنتائج فعالة، يجب أن يتحقق عاملان أساسيان، هما:

  • الفورية.

  • الاستمرارية.

الفورية تعني أن العقاب يجب أن يتبع مباشرة الخطأ الذي ارتكبه الطفل، وألا يفصَل بينهما بمدة زمنية، وذلك حتى يتمكن الطفل من ربط العقاب بالفعل الذي فعله.

فليس منطقيًا أن يغض المُربِّي الطرف عن خطأ ما ارتكبه الطفل في وقته، ثم يحاسبه عليه بعد ذلك.

سيصعب على الطفل حينها إنشاء رابطة بين العقاب وبين ما ارتكبه من أخطاء، وسينظر إلى العقاب على أنه نوع
من الانتقام.

أما الاستمرارية، فتعني أن يعاقَب الطفل في كل مرة يرتكب فيها نفس الخطأ، إذ ليس من المتوقَع أن يكف الطفل
عن ارتكاب هذا الخطأ من أول مرة يُعاقَب فيها عليه، وقد يكرره عدة مرات بعدها.

إذا عاقب المُربِّي على خطأ ما مرة ولم يعاقب مرة أخرى، فسيؤدي ذلك إلى فشل تكوين الرابطة الشرطية لدى الطفل بين الخطأ والعاقبة المترتبة عليه.

لكن دعونا لا ننسى أن العقاب -كما أسلفنا الذكر- جزء واحد فقط من عملية التربية؛ فلا يصح الاعتماد عليه وحده،
بل يجب أن يستخدمه المُربِّي جنبًا إلى جنب مع الوسائل التربوية الأخرى، مع مراعاة ضوابطه وشروطه.

ضوابط العقاب التربوي
  • ألا يكون العقاب وسيلة لتنفيس المُربِّي عن غضبه، وأن يكون الغرض منه فقط تقويم سلوك الطفل.
  • أن يكون العقاب مناسبًا للخطأ الذي ارتُكِب، وألا يكون مبالَغًا فيه، حتى لا يتحول إلى نوع من الانتقام.
  • إذا لم يأتِ العقاب بنتائج إيجابية بعد تكراره فترة من الوقت، يجب أن يكف المربي عنه، وأن يبحث عن بدائل أخرى لتقويم سلوك الطفل.
بدائل العقاب للأطفال
إذا استمر طفلك في انتهاج السلوك الخاطئ رغم عقابك المستمر له، فقد حان الوقت للبحث عن بدائل أخرى لتقويم سلوكه.
جرِّب هذه البدائل:
  • ابحث عن الأسباب الخفية وراء ممارسة طفلك لهذا السلوك، وحاول معالجتها.
على سبيل المثال: إذا كان طفلك يكذب، فربما يفعل ذلك لخوفه الشديد منك لأنك شديد التسلط، أو لجذب الانتباه،
ربما يكف طفلك عن الكذب إذا عالجتَ الأسباب المؤدية إليه.
  • لا تهمل احتياجات طفلك: طبقًا لعلم النفس، يحتاج الطفل إلى إشباع بعض الاحتياجات النفسية الأساسية قبل الشروع في عملية تعليمه وتقويم سلوكه.
من أمثلة ذلك: الحاجة إلى الاهتمام، والشعور بالأمان والحب غير المشروط. لذا، ضع نفسك مكان طفلك، وتفهَّم احتياجاته ولبِّها له.
  • أعطِ طفلك حق الاختيار: كثرة القواعد والقيود على الطفل تدفعه إلى التمرد، اترك لطفلك مساحة آمنة
    من اتخاذ القرارات، وشجِّعه على تحمل مسؤوليتها، حينها سيشعر بأهميته وسيخجل من ارتكاب السلوك السيئ.
  • اقضِ وقتًا أطول مع طفلك وكن قدوة له، فربما ينتهج طفلك السلوك السيئ لأنه يفتقد القدوة الحسنة في حياته.

ختامًا…

نقول أن رحلة تربية الأبناء طويلة وشاقة، وتحتاج إلى بذل الجهد والصبر.

فإن كان من حقك -عزيزي القارئ- أن تستخدم أساليب العقاب التربوية، فراعِ ضوابطها وشروطها.

ولا تنسَ أنها أداة واحدة من ضمن أدوات كثيرة، هدفها الأساسي تنشئة طفلك التنشئة الصحيحة النافعة له في مستقبله. 

أخصائي نفسي

الولاء مكي

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

انتقل إلى أعلى
× تريد المساعدة؟