من أهم سمات العصر الحديث أن الإنسان أصبح قادراً على الوصول إلى المعرفة ببساطة وسهولة، وربما لا يدرك جيل التكنولوجيا مدى صعوبة الوصول إلى المعرفة قبل وجود شبكة الإنترنت، وكما هو الحال دائماً؛ لكل ما هو مفيد جانب مظلم.
في هذه المادة، نحاول أن نقدم لكم قراءة لأهم المخاطر المترتبة على استخدام الأطفال والمراهقين لشبكة الانترنت كمصدر للمعرفة، ونناقش أفضل الأساليب التي تجنب الأطفال واليافعين أضرار شبكة الانترنت، والأهم نصائح لتجعل أطفالك يثقون بك أكثر من ثقتهم بجوجل.
مخاطر استخدام الإنترنت كمصدر للمعرفة
في عصرنا الحالي تعتبر الشبكة العنكبوتية المصدر الأول للمعلومات بالنسبة لغير المختصين، وأحد أهم مصادر المعرفة بالنسبة للمتخصصين، وذلك لسهولة استخدام الإنترنت في البحث وإمكانية الحصول على المعلومات من مصادر مختلفة في وقت واحد دون الحاجة لقراءة آلاف الصفحات وزيارة المكتبات العامة.
لكن السهولة ليست في البحث فقط، بل في النشر أيضاً، حيث يستطيع أي كان استخدام شبكة الإنترنت لنشر أي نوع من المقالات من خلال منصة خاصة به أو من خلال منصات أخرى، ولا تستطيع محركات البحث أن تقيِّم مدى صحة المعلومات الواردة، حيث يقتصر دور محركات البحث على تقديم النتائج الأكثر صلة بكلمة البحث، بغض النظر عن مضمون الصفحات إن كان حقيقياً وموثوقاً أم لا.
ومن هنا يمكن أن نرصد بعض المخاطر التي تهدد الأطفال والمراهقين بشكل أساسي عند استخدام الإنترنت كمصدر للمعرفة
1- معلومات مضللة
بالدرجة الأولى يحصل الأطفال والمراهقون على الكثير من المعلومات المضللة عبر شبكة الانترنت، فعندما يسمع المراهق مثلاً عن شخصية تاريخية يلجأ إلى جوجل للبحث عن معلومات أكثر، لكنه سيجد غالباً معلومات غير دقيقة القصد منها تمجيد هذه الشخصية أو العكس.
وربما تكون أكثر المعلومات المضللة والمزيفة التي يتأثر بها المراهقون والأطفال هي المعلومات الصحية والجنسية، فعندما يرغب الشاب بمعرفة معلومات أكثر عن العادة السرية مثلاً قد يجد من يقول له أن العادة السرية تؤدي إلى تساقط الأظافر، وهذه معلومة خاطئة 100%.
2- استسهال المعرفة
عندما نقوم ككتَّاب بالبحث عن موضوع معين نجد صعوبة بالغة في إيجاد المعلومات الدقيقة نتيجة وجود معلومات متضاربة عن الموضوع ذاته، ونكتشف أحياناً أن بعض المواد المنشورة على شبكة الإنترنت كمواضيع علمية تم اختلاقها بالكامل دون الإشارة إلى أنها من بنات أفكار الكاتب.
أما بالنسبة للمراهق الذي يجلس خلف شاشة الهاتف النقال فهو غالباً لن يتكبد عناء البحث والمقارنة، ويوماً بعد يوم تزداد ثقته بمصادر معينة يعتبرها المنهل الوحيد للمعرفة، وفعلياً ما هي إلا مصادر مزيفة وجدت طريقها إلى الصفحة الأولى في محركات البحث بغض النظر عن المحتوى، ونحن هنا لا نعمم ولكن نتحدث عمَّا قد يكون.
3- تراجع القدرة على التفكير والتحليل
عطفاً على استسهال المعرفة، وعلى الثقة التي قد تنشأ بين المراهقين والأطفال من جهة وبين محركات البحث من جهة أخرى؛ فإن قدرتهم على التفكير والتحليل والاستنتاج قد تصبح أضعف، وذلك فعلياً ليس ذنب محركات البحث أو الناشر الإلكتروني، ولكن تنمية قدرة الأطفال والمراهقين على التفكير والتحليل والاستنتاج هي مسؤولية الأهل والمعنين بالتربية بالدرجة الأولى، ووجود قوالب جاهزة على الانترنت لكل شيء يساهم في جعلها مهمة أصعب.
ولا عجب أن استخدام الأطفال والمراهقين للإنترنت في الحصول على حل واجباتهم المدرسية مثلاً يمثل إفشالاً لأهداف العملية التعليمية.
4- ابنك يثق بجوجل أكثر منك!
لطالما وجد الأهل والمربون صعوبة في إنشاء خطوط تواصل فعالة مع الأطفال والمراهقين، خاصة أمام عاصفة الأسئلة المحرجة التي تخطر على بالهم، وهذه المهمة أصبحت أكثر صعوبة مع إمكانية الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت.
ومن المشاكل التي تواجه الأهل في العصر الحديث تدخل جوجل في تربية أبنائهم، فلم يعد من الممكن الاستخفاف بأسئلة الأطفال والمراهقين أو تقديم إجابات غامضة وخجولة، لأنهم سيعرفون الحقيقة من جوجل، أو بالأحرى سيحاولون معرفة الحقيقة من جوجل، وقد تكون هذه الحقيقة مشوهة ومدمرة.
5- فوضى اقتباسات وأقوال
أصبح معظمنا يعرف أن الكثير من الأقوال التي يتم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي منسوبةً إلى كبار المفكرين والكتاب والسياسيين ما هي إلا أقوال مزيفة، لكنها رنانة في نفس الوقت، ويتم إلصاقها بشخصيات لها وزنها عند الناس لزيادة عدد اللايكات!!.
واعتماد الشباب على الانترنت كوسيلة للمعرفة يجعلهم يحفظون هذه الأقوال دون التأكد من مصادرها، فنجدهم ينقلون عن جبران خليل جبران، وعن نزار قباني، يستشهدن بأقوال تشرشل ونابليون وهتلر، وهي جميعها أقوال مزيفة، يسردون قصصاً عن الحرب العالمية الثانية وأحداثاً جرت في الهند أو الصين كلها مجرد قصص مختلقة، ومن جهة أخرى يولد حفظ هذه الاقتباسات شعوراً مزيفاً بالمعرفة وتقديراً مبالغاً به للذات.
6- مخاطر أخرى لاستخدام الإنترنت كمصدر للمعرفة
جميع النقاط التي ذكرناها تتعلق بتأثير المعلومات المتوفرة عبر شبكة الإنترنت على المخزون المعرفي وعلى مهارات التفكير لدى الفئة الشابة بشكل خاص، لكن ماذا عن المعلومات والمعارف التي قد تقود إلى التطرف الديني أو العرقي، أو التي قد تدفع المراهق لارتكاب جرائم، أو تدفع الطفل لإيذاء نفسه وإيذاء الآخرين.
اخصائي نفسي
الولاء مكي